إن المجتمع هو المفتاح الأساسي لفهم الدين ، وليس العكس ، باعتبار أن القيم والمعتقدات والتصورات الدينية في نصوصها كما في تفسيراتها تنبثق من الواقع الاجتماعي في تطوره التاريخي ، أي في مكان وزمان محددين .
في محاولة لوصف " البنية الأساسية للحكومة الإسلامية " يستعين المستشرق غوستاف فون غرونباوم بأعمال الماوردي ( توفي 1058م) وابن تيمية (توفي 1328م) ليتوصل من دون تمييز بين النصوص والسلوك وبين الإسلام والمسلمين إلى عدة تعميمات مبسطة ، منها أن " الإسلام يفرض شروطا على مجمل حياة المؤمن وأفكاره " ، فليس هناك " أي شيء مهما كان صغيرا أو شخصيا أو خاصا لا يستحق التنظيم من قبل إرادة مقدسة " ومن هنا أن المسلم "يحس إحساسا عميقا بضحالة الإنسان ، وعدم تأكده من مصيره ، وجبروت السلطة التي لا يمكن التحكم بها ، وهو لذلك ربما كان أكثر استعدادا من الإنسان الغربي لتقبل الأمر الواقع ، فيقر القانون الإسلامي الدستوري حكم المغتصب المنتصر ، ويرضخ المسلم لما يفرض عليه بدعم من قوة جبارة ، ولذلك لم يحد القانون الإسلامي الدستوري مطلقا من سلطة الحاكم " ثم يضيف إلى ذلك أن " المسلم جمع دائما بين القدرة على تقبل عناصر أجنبية مع شيء من التردد في الاعتراف بأصولها الأجنبية".
أولا : أصول الدين في المجتمع والحياة الهادفة :
يشدد البعض على أصول الدين في المجتمع ودوره في تعزيز وحدة الأمة والانتماء ، والبعض الآخر على كونه تعبيرا عن الحاجات الإنسانية للقيم والمبادئ الأخلاقية ، أو للتغلب والتحرر من القلق والخوف والبؤس ، أو لفهم معنى الحياة والإجابة عن أسئلة غامضة محيرة للعقل البشري كمسألة نشوء الكون والمخلوقات ، أو عن كل هذه الأمور مجتمعة ، وفي تحديد الدين ، قد يكون التركيز على الآلهة أو القوى الخارقة المتفوقة على الإنسان ، أو على الصراع بين المقدس والمدنس والله والشيطان ووحدانية الألوهية أو تعددها ، أو على التجارب الذاتية ، أو على الوظائف والأدوار التي يؤديها الدين في المجتمع وحياة الفرد.
بسبب ذلك لا يتفق الباحثون الاجتماعيون حول أصول الدين وطبيعة وظائفه في المجتمع ونوعية علاقته بالبنى التحتية والاقتصادية والنظام السائد ، يؤكد هيغل أن الأفكار والمعتقدات ، أي البنية الفوقية بما فيها الأفكار والمعتقدات الدينية ، هي التي تحدد السلوك الإنساني ، وعلى العكس من ذلك تماما يؤكد ماركس على أن نمط الإنتاج والأوضاع الاقتصادية أو البنية التحتية هي التي تنشأ عنها الأفكار والمعتقدات ، وبين هذين النقيضين يقف ماكس فيبر الذي يتراوح فكره بين التشديد على أولوية الأفكار والمعتقدات ، كما في كتابه الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية ( وهو بذلك أقرب إلى هيغل ) ، وعلى التفاعل بين الثقافة والبنى الاقتصادية ، كما في كتاباته حول التنظيم الاجتماعي والاقتصادي ، وعلى تغليب العوامل المادية في معالجته الجانبية للإسلام ( وهو بهذا أقرب إلى ماركس).
لقد شدد عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864-1920) في معالجته للإسلام على عكس معالجته للعلاقة بين القيم والأخلاق البروتستانتية ونشوء الرأسمالية في أوروبا ، على الصلة الوثيقة بين الدين (خصوصا الإسلامي) والسلوك اليومي الهادف ذي المضمون الاقتصادي ، فقال في كتابه علم اجتماع الدين كلاما يذكرنا بالتفسير الماركسي المادي : إن " غايات الدين .. هي في الأغلب اقتصادية.." مما يفسر سبب عجز الورع الديني عن أن يمنع " فلاحا في جنوب أوروبا من أن يسبق على تمثال قسيس لم يستجب لمطالب كان قد تقدم بها إليه".
انطلاقا من مقولة ماكس فيبر حول السلوك الديني الهادف وصلة العبادة بأمور نفعية ، يشير إلى أن " الآلهة والشياطين .. تأثروا مباشرة ، وبالدرجة الأولى بالأوضاع الاقتصادية والمصير التاريخي لشعوب مختلفة " وأن الإله قد يكتسب مكانة خاصة في نفوس المؤمنين والمؤمنات لكونه في الأصل موضع اهتمام طبيعي في الحياة الاقتصادية ، وفي ما يتعلق بمعالجته للإسلام قال فيبر أن القيم والمعتقدات الإسلامية جاءت متناسقة مع الحاجات المادية للطبقة المحاربة ، وبكلام أدق اعتبر فيبر أن الإسلام زواج بين القيم التجارية والقيم الفروسية البدوية والقيم الصوفية المعبرة عن عواطف الجماهير وحاجاتها ، ونتيجة لهذه المزاجية الثلاثية ، وجهت الطبقة المحاربة الإسلام باتجاه الجهاد والأخلاقية العسكرية ، ووجهته الطبقة التجارية في المدن باتجاه التشريع والتعاقد في مختلف أوجه الحياة اليومية ، ووجهته الجماهير المستضعفة بالاتجاه الصوفي والهرب الضبابي .
وقد ساهمت هذه القيم التقليدية باستمرار نزعة الولاء القبلي الأبوي لشخص السلطان وليس للمؤسسات والسلطة الإسلامية الجديدة ، أي ما أسماه فيبر مصطلح الولاء والطاعة للسلطات ـ الحاكم الذي يحصر القرارات بشخصه مدعيا أنه ظل الله على الأرض ، الأمر الذي يتعارض مع القيم العقلانية والقوانين المدنية ، بكلام آخر ، رأى فيبر تعارضا بين الإسلام وروحا لرأسمالية ونشوء المؤسسات بسبب تأثره بالقيم البدوية ونشوء تحالف بين السلطان وعلماء الدين.
وفي نقده التحليل لآراء فيبر في الإسلام ، لم يقلل براين تيرنر من أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية في نشوء الإسلام وتطوره ، بل توسع في شرحها وأكد عليها مشددا بشكل خاص على عاملين أساسيين : أولا ، الفراغ السياسي الذي كان قد حل في المنطقة نتيجة للصراع التاريخي بين الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية فأضعفهما معا ، الأمر الذي ساعد على ظهور الإسلام وانتشاره ، وثانيا : بروز دور مكة كمركز تجاري مهم على ملتقى الطرق التجارية العالمية ، وهو ما نشأت عنه تطورات أساسية في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحياة الثقافية عامة ، وكان بين نتائج هذه التطورات انحلال القيم التقليدية وبدء انتشار قيم الكسب والجاه والرفاهية الفردية ، في هذا الوضع الانحلالي ، أي المرحلة الانتقالية بين انحلال القيم التقليدية وانبثاق القيم التجارية الجديدة ، نشأت حالة من البحث عن الخلاص والاستعداد النفسي لتقبل قيم بديلة ، وهذا ما قدمه الإسلام ، فملأ الفراغ التاريخي الذي كانت تعيشه الجزيرة العربية في تلك المرحلة الزمنية .
اميل دوركايم اعتبر أن روح الدين هي في الواقع فكرة المجتمع نفسه ، وهو يرى بكلام آخر أن الدين رمز من رموز المجتمع والمعبر عن وحدته وعصبيته ، إن إله العشيرة ليس سوى العشيرة نفسها مشخصنة أو ممثلة بالإله بحسب التصور الإنساني ، وبذلك تكون عبادة الإله هي في الواقع عبادة المجتمع ، وتكون وظيفة الدين الأساسية هي تعزيز وحدة المجتمع وعصبيته إن إله العشيرة ليس سوى العشيرة نفسها مشخصنة أو ممثلة بالإله بحسب التصور الإنساني وبذلك تكون عبادة الإله هي في الواقع المجتمع نفسه ، ويستدل على ذلك من مفاهيم الطوطم ومبادئ الطوطمية التي لها شأن كبير في التنظيم والتماسك الاجتماعيين ، أما الطوطم في الأديان القديمة فهو جسم محسوس ، وهو رمز للأب أو الجد الذي يتحدر منه أفراد القبيلة فينظرون إليه في احترام وخشوع ، وهذا الطوطم ليس مهما بحد ذاته ، بل بما يمثل إنه رمز لروح القبيلة واستمرارها ، والمعبر عن شخصيتها وهويتها ، بل إن المجتمع يتجسد في الطوطم والآلهة فيكون هو موضوع العبادة ، وذلك لحاجة المجتمع إلى أن يؤكد ذاته بذاته ويرسخ شرعيته وقيمه ، بحسب هذه الرؤية يكون الله صورة للمجتمع ، ليس المجتمع صورة لله .
إن مقولة دوركايم التي تشدد على أن وظيفة الدين هي تحقيق وحدة المجتمع تذكرنا بدور الإسلام في توحيد قبائل الجزيرة العربية والحضر والبدو ، مما ساهم في قيام الفتوحات الإسلامية الصاعقة ، ولذا تكلم كل نبي بلغة شعبه فكانت الآية ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم .. ) [ سورة إبراهيم : الآية4] ومن المناسب هنا أن نشير كذلك إلى كلمة دين في اللغات الغربية مشتقة من الكلمة اللاتينية Religare التي تعني وحدة الجماعة وهويتها أو من الكلمة Religer التي تعني الممارسة مشيرة إلى طقوس تعبد الجماعة ، أما في اللغة العربية فتشير كلمة دين إلى المحاسبة ، أي مواجهة الله ( يوم الحساب أو يوم الدينونة ) أو المحاسبة تجاه المجتمع ( السيرة الصالحة أو الشأن الحسن ) ولذا يسمى الله " الديان " وهذه تسمية الحاكم والقاضي أيضا .
وفيما أكد دور كايم على الوظيفة الإيجابية للدين وهي التماسك الاجتماعي ، ركز كارل ماركس (1818-1883) على جوانب سوء استعمال الدين من قبل المؤسسات والطبقات والقوى المهيمنة في المجتمع ، ومن حيث الدعوة لترسيخ قيم الصير وتحمل الضيم والمصالحة مع الواقع المرير ، فاعتبره من هذه الناحية " أفيون الشعب " شدد ماركس على استعمال الدين من قبل القوى السائدة في المجتمع من أجل تثبيت شرعيتها وتشجيع الضعفاء والفقراء على تقبل أوضاعهم المغربة في المجتمع والاستكانة لها بدلا من العمل على تغييرها ، ما رفضه ماركس في الدين هو الدعوة إلى الطاعة والامتثال على أنها قوانين إلهية ، بهذا المعنى فحسب يرى الدين " أفيون الشعب " ويكون من الوباء استغلال هذا التعبير خارج سياقه التاريخي.
ولا تخلو الأدبيات العربية في هذا المجال من محاولات الربط بين الدين والحياة الاقتصادية ، من ذلك ما يمت بصلة وثيقة إلى العلاقة بين الجهاد الإسلامي والعوامل الاقتصادية ، يوضح زهير حطب أن الإسلام " حين فرض الجهاد على المسلمين ، كان بطريقة مباشرة يعالج عدة مسائل في آن واحد ، فمن جهة تجب تصفية الأحقاد التي نمت على المدينة ، ومن جهة أخرى هناك أثر الحياة القبلية وعصبيتها ، والغزو الذي يعتبر جانبا أساسيا من الحياة البدوية ، وكان الإسلام أوقفه في الجزيرة ، كما أن قضية مورد الجزيرة التي أصبحت أقل من حاجة سكانها ، كانت تضغط في سبيل إيجاد مورد عيش جديد " .
ويشدد زهير حطب كذلك على أهمية العامل الاقتصادي بقوله إن المسلمين " وجدوا في الدين الجديد ، طريقهم إلى المجد والثروة والغنى " يشير إلى أن مكة ( التي كانت تعتاش من عوائد الكعبة ) حاولت قبل الإسلام أن تسترضي القبائل بوضع صنم خاص لكل قبيلة ، كما أوجدت قريش في سوق عكاظ مسرحا للأدب والشعر ، أما السعي لإيجاد نظام جديد يوائم بين الجماعات التي يتألف منها المجتمع بعد أن كانت العلاقات بين الحضر والبدو علاقات عدائية ، فإننا نعرف أنه لم يتوقف في المراحل التاريخية التي تلت ذلك ، وهذا ما أظهره ابن خلدون بكل وضوح.
الدين ومهما تعددت الأصول ، ممارسات ومعتقدات شعبية تساعد المؤمن على فهم الكون والتعامل معه ، والحياة والموت وما بعده ، وهو في كل ذلك متنوع إلى أقصى الحدود نتيجة لتنوع الأوضاع والأحوال والعلاقات والأنظمة والبيئات وأنماط المعيشة ، يفسر المؤمن دينه بحسب أوضاعه وحاجاته الخاصة والعامة ، فيهمل بعض جوانبه كما يقبل على بعضها الآخر ، والتفسيرات التي قد تسود في زمن ما قد لا تسود في أزمنة أخرى .
هناك أبحاث تناولت الدين من منظور العلوم الاجتماعية منها بحث أجراه عالم النفس الاجتماعي غاي سونسون الذي حاول في كتابه مولد الآلهة (1960م) أن يتعرف ـ من خلال دراسة نشوء الأديان في كثير من المجتمعات والثقافات القديمة ـ إلى مدى وجود التقاء بين العوامل الاجتماعية وعدد من المعتقدات والممارسات الدينية ( مثل تعدد الآلهة ، والتوحيد ، والاعتقاد بروح الآباء والأجداد ، والتقمص ، وديمومة الروح ، والعجائب ) ، وبين أهم ما توصل إليه وجود علاقة وثيقة بين التعدد الاجتماعي والإيمان بتعدد الآلهة ، فكانت المجتمعات المتماسكة تميل نحو الإيمان بإله واحد على عكس المجتمعات المفسخة (القبلية مثلا) التي أبدت نزوعا ظاهرا للتمسك بفكرة تعدد الآلهة ، ومما وجده انتشار السحر في تلك المجتمعات التي تتصف بغياب معايير واضحة تنظم العلاقات البشرية وكيفية التعامل مع قضايا أساسية).
ثانياً : التمييز بين الدين والطائفة ، وبين الدين الرسمي والدين الشعبي والتصوف:
1 – الدين والطائفة :
من الضروري أن نميز بين مفهوم الدين الذي يشير في الأساس إلى العقيدة والمفاهيم والمبادئ والتعاليم أو المعتقدات والطائفة التي تشير إلى التنظيم الاجتماعي الذي تسلكه أو تعتمده جماعة دينية ، مما يحدد هويتها وولاءتها والقوى الفاعلة فيها كرجال الدين ، بالمقارنة مع جماعات طائفية أخرى موجودة في المجتمع نفسه.
حدد ناصيف نصار الطائفة ، في سياق دراسته للمجتمع اللبناني ، بأنها " جماعة منظمة من الناس يمارسون معتقدا دينيا بوسائل وطرق وفنون معينة ، أنها إذا تجمع ديني في الأصل والممارسة والغاية ، وإذا ما اكتسبت مع الزمن بعدا اجتماعيا سياسيا ، فذلك عائد إلى نوع فهمها وتطبيقها للدين وإلى الظروف التاريخية التي اجتازتها ) .
وقد يغلب التوجه الطائفي فيتخذ طابعا سياسيا تؤسس الطوائف بموجبه أحزابها وتنظيماتها الخاصة بها في حالات عدة ، منها رسوخ قوة الجماعات الوسيطة يقابلها ضعف الدولة المركزية ، والميل عندا لأغلبية الدينية في مجتمع تعددي لتحديد دين الدولة بحيث يخدم مصالحها ويميزها من غيرها ، فتتعزز التفرقة بين الناس في الحقوق والواجبات وتتمتع بعض الطوائف على حساب الطوائف الأخرى بالنفوذ والجاه والثروة والمكانة الاجتماعية ، والتدخل الخارجي من قبل قوى أجنبية تعمل في ترسيخ هيمنتها بالإضافة إلى ذلك يصبح لكل طائفة مرجعية خارجية تعمل في المدى البعيد على مزيد من التجزئة .
توصل جمال حمدان إلى أن مشكلة الطائفية مهما بدت قديمة في العالم العربي فإنها لم تنفصل في أي مرحلة من مراحلها عن الاستعمار : هو الذي غذاها ، إن لم يكن خلقها وهو الذي اتخذ منها أداة سياسته يدعم بها وجوده ، ذاكرا أن الصليبية تذرعت بحماية الشيعة من السنيين فضلا بطبيعة الحال ، عن زعمها حماية المسيحيين ، والاستعمار التركي ، لكي يضرب عناصر الدولة المتنافرة بعضها ببعض فيضمن بقاءه ، وضع عامدا متعمدا نظام الملة الذي يحدد إطار الحكم على أساس الدين ، وخلق بذلك وعيا دينيا بالذات ، وبذر أول بذور الطائفية ، وفضلا عن هذا فإن الاستعمار التركي ، بتعصبه الضيق الأفق واضطهاده للشيعة ، هو الذي زرع الأشواك بين الفرق الإسلامية نفسها ، ثم يأتي الاستعمار الأوروبي بنفسه يستغل الطائفية بلا مواربة وكسياسة مرسومة ، فاحتضن الأقليات وعمل على خلق شعور بكيان خاص لها .
وبعد أن استعمل الاستعمار الغربي الإرساليات التبشيرية ووضع بعض الجماعات في مواقع التميز الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، أقام إسرائيل كنموذج للكيانات الطائفية والدينية ، من هنا تحريض المفوض السامي الفرنسي بقوله الاستفزازي في دمشق : " لقد عدنا يا صلاح الدين " فاعتبر هذا القول شماتة كبرى ، ولذلك يتساءل حمدان : " أمن الغريب إذا أن تلتهب الحماسة الدينية حتى تصبح النبرة الإسلامية ودعة وحدة المؤمنين هي الشعار المضطرم في طول العالم الإسلامي وعرضه".
وعلى صعيد التنظيم الديني توزع المسلمون إلى طوائف سنية وشيعية جعفرية وزيدية ( شيعة اليمن ) وإسماعيلية ( قلة منهم تعيش في سوريا ) ودرزية ( الدروز الموحدون الذين يعيشون في سوريا ولبنان وفلسطين ) وعلوية ( وتعرف بالتنصيرية أيضا بالنسبة لمحمد بن نصير في القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي ، وتعيش غالبيتهم في سوريا ، وشافعية وأباضية ( المغرب ومقسط وعمان ) وقد شهدت بعض العهود ميلا للاضطهاد والفتن والتحكم مما يدل على قدم الطائفية.
وهناك في المجتمع العربي طوائف مسيحية عدة لكل من تجمعاتها وكنائسها المستقلة ومرجعياتها ، وهي الأقباط ، والروم والأرثوذكس ، والروم الكاثوليك ، والكاثوليك اللاتين ، والموارنة ، والانجيليون البروتستانت ، وتتنوع هذه الطوائف بحسب الانتماءات العرقية من شرقية ولاتينية وسريان وكلدان وأرمن وآشوريين ، وقد تمثلت تنظيماتهم السياسية الرسمية في الدول الإسلامية بنظام أهل الذمة ، فحق لأهل الكتاب تاريخيا ممارسة دينهم وشرائعهم وعاداتهم مقابل الولاء وإيفاء الجزية ، الأمر الذي لم يجنبهم الاضطهاد الذي كان قد أصبح لزمن بعيد جزءا من المخزونات النفسية .
وقد تمت الاضطهادات على عكس ما أوصت به الآيات القرآنية التي تدعو إلى التسامح ورحابة الأخلاق واحترام حق الاختلاف ، وهذا ما يتخذ دليلا على الفرق الشاسع بين المثال المعياري والواقع السلوكي ، ومنها ( لا إكراه في الدين ) ، و(قل الحق من ربكم فمن شاء فيلؤمن ومن شاء فليكفر ) ، ( ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ) ، ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) ، و ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة).
ليس الاضطهادات شأنا دينيا ، بل هو ظاهرة طائفية ذات ارتباط وثيق بالصراع الاقتصادي السياسي ، وبالامتيازات التي تتمتع بها بعض الطوائف والطبقات بعضها على حساب البعض الآخر ، وليس هناك ما هو أدق تفسيرا للنزاعات الطائفية والاختلاف في التوجهات السياسية من مواقع الناس في الترتيب الطبقي الهرمي السائد في المجتمع ، كلما ازداد حفظ الطائفة وكثرت امتيازاتها وارتفعت مكانتها الاجتماعية في بنية التنظيم الطبقي الهرمي ، ازداد ميلها للتمسك بالوضع القائم والمحافظة عليه وتعمقت عصبيتها ضد من هم دونهم شأنا ، وعلى العكس من ذلك تماما ، كلما تدنت مكانة الطائفة ، ازداد اغترابا ورغبة في تغيير النظام القائم ، وفي مثل هذه الحالة تقل احتمالات الاندماج الاجتماعي فيكون التفسخ الذي يعبر عنه المثل الشعبي بقوله : " الذي يتزوج من ملة غير ملته يقع بعلة غير علته"
يمكن تعريف الدين الرسمي على أنه المعتقدات والممارسات الدينية كما تحددها المؤسسة الدينية التاريخية وعلماء الدين المعنيين بتفسير المعتقدات والطقوس انطلاقا من النص القرآني والشريعة والوحي ، ويعتبر الأزهر لدى السنة أهم رموز هذه المؤسسة الرسمية ، بينما يعتبر النجف مركز المؤسسة الشيعية ، كذلك يتمثل الدين الرسمي لدى المسيحيين العرب بالكنائس والبطريركيات المختلفة ، ومن منظور هذه المؤسسات يصدر ما يعتبر التفسير الصحيح والأصيل للمعتقدات والممارسات الدينية.
وليس أدل على الدين الرسمي من الجهاز الديني في علاقاته مع السلطة الحاكمة ومراكز القوى الاجتماعية والاقتصادية المختلفة ، وفي سبيل تقديم مثل محدد ، نشير إلى دراسة أجراها عبد الغني عماد ، حول الجهاز الديني في مدينة طرابلس في العهد العثماني مستعينا بسجلات المحكمة الشرعية ، تبين من هذه الدراسة تفضيل صلاة الجماعة في المسجد على صلاة الفرد ، وأن مفتي استانبول الذي لقب بشيخ الإسلام كان من حقه تعيين جميع المفتين في الخلافة ، وأن السلطة حولت قسما من العلماء إلى موظفين " يرتبط استمرار رزقهم بمدى رضى الحاكم عنهم " وأن الهيئة الدينية كانت تشكل جزءا من جهاز الحكم إلى جانب الهيئة العسكرية والهيئة الإدارية، وأن الوظائف الدينية في مدينة طرابلس كانت تتألف من 22 وظيفة للجهاز الديني تتدرج من منصب الافتاء إلى الخدامة ، ومنها المفتي ونقيب السادة الأشراف والإمام والخطيب والمدرس والمؤذن والموقت أو الميقاتي ومؤدب الأطفال ، وكان من السائد أن تتم الوراثة في هذه الوظائف ، ونتيجة لذلك نشأت عائلات دينية لعبت دورا كبيرا في السياسة ، وكانت الأوقاف مؤسسة غنية ومصدر تمويل الجهاز الديني وقاعدته المادية .
أما الدين الشعبي فهو المعتقدات والممارسات الدينية باستقلال نسبي عن المؤسسة الرسمية ، وهو شديد التنوع بحسب البيئات والنظم الاجتماعية والأحوال الاقتصادية وأنماط المعيشة ، ويتمركز حول المزارات أو أضرحة الأولياء والقديسين الصالحين ممن لهم أصول في التاريخ حول شخصيات أسطورية ، ومن عناصره تدرجات القداسة ، والتفسيرات الرمزية ، وضعف العلاقة مع علماء الدين
( خاصة حين يمثلون السلطة الرسمية ) ، والتمسك بتقاليد مشتركة بين مختلف الطوائف مستمدة من عهود قديمة قد تعود في بعضها إلى ما قبل نشوء الديانات التوحيدية ، ومن عناصره الأخرى التشديد على شخصية القوى المقدسة والوسطاء بين المؤمن والله ، وعلى أهمية التجربة الروحية الذاتية والورع الداخلي ، والإيمان بالعجائب الخارقة وبالبركة ، والتأويل ، ويتمركز التعبد حول شخص الولي والقديس أكثر منه على النصوص والتعاليم المجردة.
وينتشر الدين الشعبي خاصة في الريف والبادية وبين الفقراء والمحرومين والضعفاء ، وهو محبب للنساء وخاصة المتقدمات بالعمر ، وحيث يقوم فصل بين عالمي المرأة والرجل ، والطبقات الدنيا والفلاحين والبؤساء ، وقد تبين من سلسلة دراسات بإشراف عائشة بلعربي في المغرب أن من عادة النساء زيارة الأولياء باعتبار أن المجتمع المغربي يتميز بتقسيم فضائي بين الجنسين ، فكل ما هو مغلق ينتمي إلى قضاء المرأة ، وكل ما هو عام ينتمي إلى فضاء الرجل .. وقد لوحظ أن زيارة الأولياء شبه مقصورة على نساء الطبقات الفقيرة ، ذلك أن الحاجة إلى زيارة الأولياء ترتبط بالمشاكل الاجتماعية التي تمس الناس ومنها البطالة ، والرسوب المدرسي ، كما تتيح الفرصة للتعبير عن النفس ، أي الإفصاح عن الآلام والصعوبات الداخلية التي لا يتم التعبير عنها بصوت عال .
ويقوم بين الدين الرسمي والدين الشعبي صراع خفي ومعلن يتخذ مظاهر عدة في الحياة اليومية ، وقد تمكنت المؤسسة الرسمية ، دينية وسياسية معا ، من منع الممارسات الشعبية في المملكة العربية السعودية ، وتجاهلتها بعض البلدان الأخرى بين الحين والآخر كما في مصر وسوريا والعراق ، وتعايشت معها كما في المغرب العربي لرسوخها في حياة الناس ، وفي مختلف الحالات يبرز الدين الشعبي عندما يكثر الظلم والبؤس من دون تدخل من قبل العدالة الإلهية ، بذلك تحتاج الطبقات الشعبية الفقيرة العاجزة إلى وسيط يتجسد في شخص صالح يشاطرهم حياتهم ويتحسس مآسيهم ويساعدهم على حل مشكلاتهم وينصرهم ضد ظالميهم ويتكلم لغتهم ، لذلك يكثر وجود أضرحة الأولياء والمزارات والزوايا والطرق الصوفية في أحياء المدن الفقيرة المحرومة والقرى النائية التي لا تصلها المؤسسة الدينية المتمركزة في المدينة ، في شراكة مصلحية مع سلطة الدولة ، فلا يكون من الغرب أن يشير الشيخ عبد العزيز بن باز إلى لغة الشعب بأنها " لغة الرعاع والتنكر للغة الفصحى " وإلى أن الفروقات الطبقية أمر طبيعي ولا فرق في الإسلام بين غني وفقير ، بل هم في ذلك أخوان متحابون في الله ، متعاونون على البر والتقوى ، مجاهدون في سبيل الله ، صابرون على دين الله.
وبين الدين ميزوا بوضوح بين الدين الرسمي والدين الشعبي مؤرخ الحياة الدينية حسني حداد ، الذي يقول إنه تحت طبقات تعدد الانتماءات الدينية والطائفية والمذهبية ، نجد تيارا مشتركا من التدين بين كل الفلاحين الذين يؤمنون المزارات نفسها لإظهار تدينهم وتقديم نذورهم ، وللمسيحيين والمسلمين على الساحل السوري عدة أماكن مقدسة مشتركة ، كما أنهم يشتركون في معتقدات وأساطير شعبية تتعلق بقوى الطبيعة والمحظورات والعبادات والنذور ، والتدقيق في هذا التيار الديني المشترك يظهر أن مبادئ العبادة السورية القديمة ، عبادة مظاهر الخصب وقواه في الطبيعة ، ما زالت فاعلة في الريف السوري.
إن الدين الشعبي كما يمارس في المجتمع العربي ويتجلى في الثقافة الشعبية السائدة يشكل أداة من الأدوات المتاحة للشعب في سعيه للتغلب على مشكلاته المستعصية هذا ما يبدو خاصة في مراسم الإذكار والخلوات واستحضار الجن والتسابيح التي يظن أنها تحمي التعساء من نوائب الدهر ، بل قد يتعود هذه الممارسات على النظام السائد بالخير ، فكثيرا ما عرف كيف يستعمل الدين الشعبي كما الدين الرسمي لصالحه بحيث يشكل مهربا من الواقع وليس خروجا عليه ، بلجوئه للأولياء يفوض الشعب أمره لهم بدلا من مجابهة الواقع بالاعتماد على طاقاته وموارده الخاصة ، إن الزوايا ملجأ من الواقع وليست تجاوزا له ، ولكن المؤسسة الدينية الرسمية ليست بأفضل منها ، فليس من المنتظر أن يخرج منها منقذون يتحسسون مآسي الشعب ، تماما كما لم يخرج من طبقة رجال الدين الرسمي في كل التاريخ البشري أنبياء يجددون الحياة .
وبين أبرز الاحتفالات الدينية الشعبية تقاليد الاحتفاء بالأولياء وآل البيت ، ومنهم السيدة زينب .
الصوفية :
للدين الشعبي تجلياته الخاصة في الطرق الصوفية الواسعة الانتشار في المجتمع العربي التقليدي كما في المجتمع المعاصر ، وللصوفية مصادرها الشعبية باعتبار أنها نشأت تلبية لحاجات اجتماعية نفسية اقتصادية سياسية لدى جماعات وأفراد وجدوا بانتمائهم للطرق وسيلة منظمة تمكن أعضاءها من تجاوز عجزهم ، ثم هناك مصدر آخر جاء نتيجة لرفض الانشغال بالأمور الدنيوية القائمة على البذخ وهيمنة المؤسسة الرسمية ، أو لشعور بعض أصحاب الفكر بالاغتراب عن الدين الرسمي المنشغل بالنصوص والسنة انشغالا حرفيا أصوليا متزمتا يضيق من آفاق العقل المبدع ، ولتنوع هذين المصدرين ، سنتناول الصوفية على صعيدين : صعيد الطرق الصوفية التي تندرج في الدين الشعبي ، وصعيد التأمل الفكري كمعاناة في السعي للتوصل إلى الحقيقة.
على صعيد فكري تقلب الصوفية معادلة العلاقة مع الله من علاقة خوف إلى علاقة حب ، وتتجاوز حرفية النص إلى جوهره ومعانيه الرمزية ، فتقدم تأويلات إشراقية انطلاقا من التجربة الذاتية والحدس للتوصل إلى الحقيقة ، من خلال الرياضة الروحية والزهد بغية إقامة علاقة مباشرة مع الله بالتوحد به ، بهذا المعنى ، تتصل الصوفية ، كما يقول أدونيس ، بالتجربة الباطنية ، وتقوم على تجاوز الثقافة السائدة والظاهر المنظم إلى باطن العالم فتعنى بمعانيه الخفية ، إنها تسعى لتجاوز النص إلى المعرفة الكامنة وراءه بتأويله وإرجاعه إلى أصوله والكشف عن حقيقته ، فالظاهر ليس إلا صورة من صور الباطن ، وكما رفضت الصوفية أن تعتمد النص في ظاهره ، كذلك رفضت أيضا أن تعتمد المنطق أو العقل في التوصل إلى صلب الحقيقة ، إن الطريق التي يسلكها الصوفي لمعرفة الحقيقة هي التجربة الحسية أو المشاهدة بالسفر من الظاهر إلى الباطن ، وبالصعود نحو الله والهبوط نحو النفس حيث يوجد الله أيضا ، وينتهي السفر صعودا وهبوطا بالتوحد أو الفناء في الله أو الحب.
ويرى أدونيس أن كلمة صوفي ترتبط بما هو خفي وغيبي ، والاتجاه إلى الصوفية أملاه عجز العقل والشريعة الدينية عن الجواب عن كثير من الأسئلة العميقة عند الإنسان ، وأملاه كذلك عجز العلم ، فالإنسان يشعر أن ثمة مشكلات تؤرقه حتى .. عندما تحل جميع المشكلات بواسطة العقل والشرع والعلم ، هذا الذي لم يحل هو ما يولد الاتجاه نحو الصوفية ، والهدف الأخير الذي يسعى إليه الصوفي هو أن يتماهى مع هذا الغيب أي مع المطلق ، وهذا هو مصدر الخلاف الرئيسي بين الصوفي والفقيه الذي يمثل الدين الرسمي ، ومن هذه الزاوية ، يرى قسطنطين زريق أن بين مصادر التوتر في الحضارة الإسلامية مسألة منهج الوصول إلى الحقيقة ، أي الوحي أو العقل أو التجربة المباشرة ، وقد سلكت الصوفية منهج التجربة الذاتية المباشرة ، وقد سلكت الصوفية منهج التجربة الذاتية المباشرة التي بدأت بالزهد بأمور الدنيا والتقشف والتنسك للمرور في مقامات متتابعة من تطهير النفس.
وكانت الصوفية قد ازدهرت في الإسلام حين بدأت الطبقات النافذة تميل للتمتع بالثروات التي نتجت من الفتوحات ، فأقبلنا عامة المسلمين على الصوفية كبديل يشدد على الزهد والتنسك والتقشف في سبيل تطمين النفس لما رأت من تحول عن الدين ومنهم من اختاروا التشديد على أهمية المعاني الداخلية والرموز والقلب والسعادة الروحية وحب الله من أجل ذاته وليس لأغراض خارجة عن الدين وخوفا من الجحيم أو طمعا بالجنة بحثوا في الحقائق الكبرى بالغوص في النفس الإنسانية فانشغلوا بعبادة الله وتركوا شؤون الدنيا فانعزلوا عن المجتمع ؛ كما تقول أدبيات الصوفية فـ " أجاعوا الأكباد وأعروا الأجساد " واستعانوا بالصبر والصلاة منتظرين الفرج من الله بمحبته والطاعة له فيما أمر والانتهاء عما زجر والرضا بما حكم وقدر ، وقد صدر الإحساس بالرضا من مقولات " استقبال الأحكام بالفرح" والاطمئنان إلى سرور القلب بمر القضاء والفقر أحب من الغنى ، فـ " الراضي لا يتمنى فوق منزلته"
وعلى صعيد نشوء الطرق الصوفية وانتشارها فقد كثرت الدراسات حولها في مختلف عصورها واتجاهاتها ، ويتبين منها أنها انتشرت لظروف تاريخية وفي مختلف العصور حيث يوجد المسلمون متجاوزة حدود البلدان ، وتنشأ كل طريقة حول ولي مؤسس تعرف باسمه ، وبين أهم الطرق الصوفية الواسعة الانتشار في المجتمع العربي تلك التي اتبعت عبد القادر الجيلاني ( توفي سنة 1166م) ، وأحمد الرفاعي ( توفي عام 1775م) ، وحسن الشاذلي ( توفي سنة 1258م) ، وأحمد البدوي ( توفي عام 1257م) ، وقد ذكر عالم الاجتماع الأمريكي مور بيرغر أن 64 طريقة صوفية كانت تعمل في مصر في الستينات وتمثلت جميعها في المجلس الصوفي الأعلى.
وتنتظم الطرق الصوفية حيث وجدت تنظيما هرميا ، فيكون شيخ المشايخ في رأس الهرم يليه الشيخ فنائبه أو الوكيل ( في الأقاليم الرئيسية ) فخليفته ( رئيس الزاوية) فالمريدون ، وتأتي هذه السلطة المتدرجة على أساس الخبرة والمقدرة ، ولكن كثيرا ما ينتقل المنصب في العائلة من جيل إلى جيل ( بحسب سلسلة البركة المتحدرة في العائلة ) .
وبين أهم الطقوس المتبعة في الطرق الصوفية حلقات الذكر ، وهناك الذكر الخفي (الذي يحصل فيه ترديد ذكر الله في الذهن وبصوت منخفض ) والذكر الجلي (إنشاد قصائد دينية وتراتيل صوفية وتوسلات لآل النبي ) ، ومهما كان نوع الذكر المتبع فهو يتطلب نية صالحة وصافية وحضورا ، وتنشط الطرق الصوفية في الموالد ومنها موالد النبي والحسين وزينب ، وموالد الأولياء ( كمولدي أحمد البدوي في طنطا وإبراهيم الدسوقي في دسوق ) وموالد خاصة تحصر بأولياء أهل الطريقة أو جماعة ما كذلك مهما كانت طبيعة هذه الموالد والمواسم ، فإن لها أهمية اقتصادية وتحدث في مواسم البحبوحة ، ومثالا على ذلك أن مولدي البدوي في طنطا والدسوقي في دسوق يحصلان توا بعد حصاد القطن في آخر الصيف ، وبحسب التقويم القبطي وليس بحسب التقويم الإسلامي القمري كي لا يتغير موعده.
ويعتبر الولي عارفا بالله وسيطا إليه وحكما يصلح بين الناس وعالما قادرا على منح البركة وصنع العجائب والخوارق والكرامات ، يقصده المتعبدون حاملين إليه أعطياتهم ونذورهم كي يستجيب لتوسلاتهم وطلباتهم وشكاويهم ، وحين يقدم المتعبد نذوره ووعوده ، يبدو وكأنه يضع شروطا فيقول مثلا : إذا عملت كذا وكذا يا ولي الله أعمل لك كذا وكذا ، وكثيرا ما تتلاشى العلاقة الرسمية ويزول الورع في توجه المتعبد إلى الولي فنرى أنه يقصد الضريح ويقرأ الفاتحة ثم يصرخ " يا أ؛مد ، يا بدوي ، يا شيخ العرب ، أقصدك ... " .
الدين والعائلة :
هما أكثر المؤسسات الاجتماعية تقليدية وتكاملا وتداخلا وعضوية حتى ليصعب الفصل بينهما منذ بدايات التكون الاجتماعي ، يعزز كل منهما موقع الآخر فيشكلان معا صرحا منيعا في الدفاع عن التقاليد ، ولكن عند المقارنة بينهما ربما يمكن القول أن العائلة سابقة للدين بمعنى أنه نشأ أصلا في كنف العائلة التي كانت مركز التعبد والنشاطات الدينية الأولى ، وقد كان السلف موضوع التعبد كما كان سيد العائلة هو الكاهن أو الإمام الأول ، ونعرف كذلك أنه كان لكل قبيلة إلهها الخاص بها ، وأن القبائل المغلوبة كثيرا ما كانت تتبنى آلهة القبائل المنتصرة عليها ، وأن التجمعات القبلية كانت تمتاز بتعدد الآلهة ، فيما تميل المجتمعات المتماسكة نسبيا للتوحيد ، لذلك أميل للاعتقاد ، عكس ما هو سائد ، بأن العائلة هي التي طبعت الدين بصورتها ولها الأولوية عند التناقض ، ولكن الدين عاد فعزز من أشكال الحياة العائلية وقيمها التقليدية في أصولها الأولى منحها القداسة التي تجعلها مساوية له في أهميتها من حيث رسوخها في الواقع الاجتماعي.
درس أحمد الربايعة عبادة الأصنام في الجزيرة العربية قبل الإسلام ، وبين أهم ما توصل إليه وصف العلاقة التاريخية بين العائلة والدين ، فقد اعتبر أن الديانة الوثنية ديانة وضعية ، أي من وضع البشر ، وقد نشأت بفعل الضرورة الاجتماعية ، ولكنه بهذا ربما أراد أن يوحي للقارئ خطأ وتخوفا بأن الديانات التوحيدية ليست وضعية ولم تنشأ بفعل الضرورة الاجتماعية .
يظهر الربايعة أن الكعبة كانت تحظى بعدد كبير من الأصنام يزيد على 300 صنم ، كان توزيع هذه الأصنام منسجما مع التوزيع القبلي ، ومثلا على ذلك ، كانت قريش وكنانة تعبدان هبل وصنمه بصورة إنسان من عقيق أحمر ، والأوس والخزرج مناة التي أجمع العرب على تعظيمها ، ويتكون صنمها من حجر أسود ، وبنو ثقيف وأهل مكة جميعهم اللات ، وبنو سليم العزى التي كان صنمها أعظم الأصنام عند قريش ، وهو عبارة عن ثلاث شجرات.
ومن ناحية أخرى تتصف العلاقة بين العائلة والدين بالتناقض كما بالتكامل ، وفي آن معا ، حاول الإسلام من ناحية استبدال الولاء القبلي بالولاء الديني ودمج القبائل المتنازعة في أمة موحدة الرؤية والمصير ، ولكنه أكد في الوقت نفسه على الأهمية القصوى للأسرة كنواة للمجتمع حض على طاعة الأهل وإكرامهم ، وليس في الأمر غرابة فالأفراد يرثون دينهم وينشأون على تعاليمه في العائلة ، وتكون المحافظة عليها والتمسك بها وتقدسيها بحد ذاتها محافظة على الانتماء الديني بذاته ، ولهذا تصر مختلف مؤسسات الأديان على الإشراف والوصاية على الأحوال الشخصية ، وقد عمل الدين على تثبيت النظام الأبوي وتعزيزه على حساب النظام الأمومي الذي كان معروفا لدى بعض القبائل العربية ، وشكل مصدرا أساسيا لكثير من التقاليد والقيم التي تنظم الزواج والطلاق والإرث ونوعية العلاقات الأسرية ، وذكرنا من زاوية أخرى أن الأعراف العائلية والقبلية قد تتناقض مع الأعراض وحتى مع الشرائع الدينية ، وتتخذ في كثير من الأحوال الأسبقية عليها بسبب رسوخ الحياة العائلية في المجتمع العربي وشدة ارتباطها بالشؤون المعيشية وباعتبارها الجماعة الوسيطة الأهم في تأمين الضمان الاجتماعي لأفرادها ، ومن هناك إن ولي أمر البنت يستطيع أن يمنعها من الزواج بمن تريد رغم أن الشرع يقرر لها هذا الحق.
وبين أهم جوانب العلاقة بين العائلة والدين التشابه الكبير بين صورة الأب وصورة الله في أذهان المؤمنين والمؤمنات ، فيصلي المسيحيون ، أبانا الذي في السماء ، ويقول بولس الرسول في إحدى رسائله ، " يا إخوة اشكروا الله الآب " رغم ما يقال في الكنسية المسيحية من أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله ، ونستطيع أن نتفهم شدة التشابه بين صورة الله وصورة الأب من خلال الأسماء الحسنى ، في الإسلام ، فكلاهما يوصف بأسماء الرحمة والتجبر في آن معا ، تطلق على كل منهما من ناحية الأسماء التالية المستمدة أصلا من وظائف دور الأب في المجتمع العربي التقليدي والتي تشدد على جوانب الرحمة والعطاء ، الرحيم ، الغفار ، الوهاب ، الرزاق ...الخ .
الدين والطبقات الاجتماعية :
أ ـ استخدام الدين في إضفاء الشرعية على النظام العام القائم وتسويغ امتيازات الطبقات الغنية والحاكمة :
نشأت طبقة ارستقراطية في المجتمعات الإسلامية وجدت في الدين طريقها إلى الثروة ، في هذا المجال حدثنا علال الفاسي عن ظهور ما أسماه نظريات شاذة لحل المشكلة الاقتصادية في التاريخ الإسلامي بعد موت الرسول ، فيقول أنه بتوسع الفتوحات " كثرت الأموال في يد المسلمين .. وتغلبت الأهواء على بعض ولاة الأقاليم وأعوانهم ، فأخذوا يستغنون ويتأثلون ، ولم يعد لهم من الزهد أو الورع ما كان للرسول وخيرة أصحابه .. وتميزت الطبقات فأصبح هناك فقراء مدقعون وأغنياء مترعون ، ونشأ في الأولى روح الانتقاد على الثانية فأخذت تتألب وتبحث عمن يقودها لمقاومة الثروة غير المعهودة والمطالبة بالمساواة في أسباب المعاش ، طبقا لما كانت تفهمه من تعاليم القرآن الأولى ، وأول حركة اجتماعية ظهرت من هذا القبيل كانت تحت لواء الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري .
والأحرى أن نقول إن الأموال كثرت في أيدي بعض المسلمين بدلا من يد المسلمين ، إذ لم تذهب إليهم بالتساوي ، بل جعل النافذون منهم " يبحثون في تعاليم الدين ومبادئه وأحكامه عما يمكنهم من تحقيق أهوائهم " فقد استغل هؤلاء أحكام الإسلام ليستمتعوا بزينة الدنيا التي بدأت تنصب عليهم ، بذلك تكونت طبقات اجتماعية جديدة وعائلات لها امتيازاتها " كالمهاجرين والأنصار وأهل بدر وأهل القادسية وكذلك أصحاب النسب الهاشمي ، والقرشي والأشراف .. وأبناء الأنصار والمهاجرين وأصبح الهاشميون من أهل السعة والرخاء يتمتعون بشرف الملك ولا يحملون أوزاره أو أعباء تبعاته ، فانغمس أكثرهم في الترف ، ومع الزمن اجتمع لبعضهم مال كثير وثروات طائلة بمختلف الطرق .. وأخذ أبناء هذه الطبقة الأرستقراطية النسب يقدرون قيمة الأرض ويسعون إلى امتلاكها ، وتحولت تلك الأرستقراطية القائمة على فكرة النسب الرفيع إلى ارستقراطية مالكة للأرض وحضرية ، أي أصبحت تقوم على قاعدة مادية ، فترسخ التباين الاجتماعي والاقتصادي بينها وبين بقية العرب .
منذ البدايات الأولى نشأت تفسيرات مختلفة ، بل متناقضة للإسلام ، فمن الواضح أن الناس ينظرون إلى دينهم ويفسرونه من مواقعهم الخاصة في البنية الطبقية ومن منظور علاقتهم بالطبقة الحاكمة ، وبهذا المعنى يظهر صادق العظم أن مجموعة من المفكرين ورجال الدين الإسلامي " يجهدون أنفسهم في إضفاء الشرعية الإسلامية على النظام الذي يرتبطون به مهما كان نوعه ، إن كل نظام حكم عربي ، مهما كان لونه ، لا تنقصه المؤسسات الإسلامية المحترمة ، المستعدة للإفتاء بأن سياسته منسجمة انسجاما تاما مع الإسلام .
الدين في مرحلته التأسيسية الأولى كثيرا ما يمثل ثورة شعبية ضد النظام السائد والطبقات والعائلات الحاكمة ، ولكنه ما إن يترسخ حتى يتحول إلى مؤسسة وسلطة تلتزم بأولويات نفوذها واستمرارها ، لذلك توصل ماكس فيبر إلى إبداء ملاحظة ذكية هي أن أحدا من الأنبياء لم يأت من طبقة رجال الدين ، ومن هذا أن المنقذين في الهند ما كانوا قط من البراهمة ، والسبب في ذلك ، بكل بساطة ، هو أن رجال الدين هم مؤسسة تقليدية هرمية بحد ذاتها وجزء لا يتجزأ من هرمية المجتمع الطبقية ومنها يستمدون مكانتهم ونفوذهم ومداخيلهم المادية .
ثم إن الدين يخدم حاجة نفسية لدى الأغنياء المحظوظين ، فيقول فيبر ، إن المحظوظ نادرا ما يرضى بحقيقة كونه محظوظا ، بالإضافة إلى ذلك ، يحتاج أن يعرف أن لديه الحق بثروته الفائقة ، يريد أن يقتنع أنه يستحق ما يملك ، وقبل كل شيء بالمقارنة مع الآخرين ، يرغب أن يعتقد أن الأقل حظا ينالون ما يستحقون إن الثروة الطائلة تريد أن تكون ثروة شرعية ، وقد وجد روجيه غارودي تلازما بين هرمية الملائكة والكائنات المقدسة في لاهوتية المسيحية في العصور المتوسطة من ناحية ، وبنية المجتمع الإقطاعي من ناحية أخرى ، وهذا ما توصل إليه بحث مشابه حول الأصول الطبقية للقديسين في الكنيسة الكاثوليكية ، فقد تبين أن 77% كانوا ينتمون للطبقة العليا ، و17% فقط للطبقة الوسطى ، و5% فقط للطبقة الدنيا.
إن الطبقات الحاكمة لا تختلف عن طبقة التجار من هذه الناحية ، فتحرص هي أيضا على استعمال الدين في ترسيخ شرعيتها وتثبيت سمعتها في التقوى الاستقامة ، في هذا المجال ، نشير إلى قول الزعيم الهندي لال نهرو أن الاستعمار البريطاني كان يشجع المساجين السياسيين على قراءة الكتب الدينية اعتقادا منه أنها تشجع على التسليم بواقع الأمر وعملا بالقول الشعبي : الناس على دين ملوكها.
تسويغ الفقر :
مما ساعد على تسويغ الفقر أن التراث الديني دعا للزهد وقلل من أهمية هذا العالم فأسماه " الدنيا " و "ا لبسيطة " وردت في كتابه إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي المتوفي عام 505هـ / 1111م أحاديث عن " فضيلة الفقر على الغنى" رغم قول النبي " كاد الفقر أن يكون كفرا " والقول الشعبي " الجوع كافر " ومن هذه الأحاديث ما يلي : يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائها بخمسمائة عام ، إن لكل شيء مفتاحا ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء لصبرهم ، هم جلساء الله تعالى يوم القيام " ، " أحب العباد إلى الله تعالى الفقير القانع برزقه " " الجوع عند الله في خزانة ، لا يعطيه إلا لمن أحبه " " إذا رأيت الفقير مقبلا ، فقل مرحبا بشعار الصالحين" .
تسويغ الطبقية :
نشأت تيارات دينية محافظة تعتبر الفروق الطبقية " ناموسا إلهيا .. وسنة ثابتة من سنن الحياة " واستعنا بتفسير الشيخ فيصل المولوي حول معنى الآية 32 من سورة الزخرف ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) . فأجاب أن " الآية تشير إلى سنة ثابتة من سنن الله عز وجل وهي تفاوت الرزق بين الناس ، والتسخير ظاهرة بشرية اقتضتها حكمة الله عز وجل في تعمير الأرض عن طريق اختلاف المواهب والطاقات البشرية التي تؤدي إلى تفاوت الرزق ، وطبيعة هذه الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت في مواهب الأفراد".
ونتيجة لمثل هذه المحاولات لتسويغ الفقر والطبقية ، نشأت ثقافة تدعو ليس فقط للصبر ، بل أيضا للتسليم بواقع الحال ، فجرت تساؤلات عديدة حول قبول الفلاحين والعبيد أوضاعهم وعدم تمردهم ، ومما لاحظه بعض الباحثين قيام نزعة نفسية عند شرائح من هؤلاء للاعتقاد بأنهم خلقوا معدمين أو عبيدا " كما خلق الجمل لأن يكون جملا " ، وربما لهذه الثقافة التسويقية وما يتفرع عنها من اعتقادات دورها في استمرار العبودية حتى منتصف هذا القرن في عدد من البلدان العربية.
الاختلاف الطبقي في فهم الدين وممارسته :
تختلف الطبقات في فهمها للدين وتفسيرها له من مواقعها الخاصة وكيفية ممارسته في الحياة اليومية ، فنجد أن التعبد لدى الفلاحين وفقراء المدن يتركز على الأضرحة والأولياء وشخص الإنسان الصالح بدلا من المؤسسة الدينية ، هذا على عكس ما يميل إليه المثقفون ورجال الأعمال والحكام وشرائح الطبقة الوسطى الذين يميلون للدين الرسمي ، ثم إن للبدو ميولهم المتميزة من كل من الحضر وأهل الفلاحة وليس ماركس فحسب الذي يقول أن السلوك الديني يحمل طابع الطبقات التي ينشأ فيها ، فهذا ابن خلدون أيضا يقول بأن اختلاف الأجيال في أحوالهم هو باختلاف نحلتهم من المعاش ، لذلك تختلف جوانب التدين كافة من طبقة إلى طبقة أكان ذلك بالنسبة للمعتقدات والطقوس أم التعبير عن المشاعر الدينية ، إن هناك فروقا بين الطبقات الفقيرة والغنية والضعيفة والقوية في التعبير عن مشاعرها الدينية ، وكثيرا ما تسود بين الطبقات الفقيرة المحرومة مشاعر الحزن والغضب والتمرد والتعلق بشخصيات تاريخية تجسد أحلامها وأمانيها ، فيما تسود بين طبقة الأغنياء المرفهة مشاعر التمسك بالشرائع السائدة التي تمليها المؤسسة الدينية ، ويكون التفسير لبعض الآيات الدينية من موقع الفقراء مختلفا عن تفسيرها من موقع الأغنياء.
كذلك تختلف الطوائف من حيث أساليب حياتها ومدى قوتها ونفوذها وأعمالها وثرواتها ، من هذا أن الشيعة تنتشر في الريف وتعمل في الفلاحة في لبنان والعراق ، وكذلك الفرق المتفرعة عنها كالعلويين والدروز ، بينما تنتشر السنة في المدن وتميل للعمل في التجارة والإدارة ، لذلك يكون التفاوت في القوة والثروة ، ولم يكن من الغريب أن يتم تهميش الشيعة لزمن طويل وأن تكون غالبيتهم من الطبقات الفقيرة المحرومة ، وأن تتسع بينهم الفجوة بين الفقراء والأغنياء في نوع الاستقطاب الطبقي حتى تكاد الطبقة الوسطى تكون شبه معدومة ، في هذا الإطار نردد مقولتنا أنه بتثبيت سيطرة التجار والبدو على المؤسسة الإسلامية ، كان أن مال الفلاحون إلى الشيعة والأقليات الطائفية الأخرى ، وقد استمر الفلاحون في التمسك بالتقاليد الشيعية حتى بعد تحولهم إلى السنة كما يبدو من المعتقدات والممارسات الدينية في المجتمع المصري حتى داخل أحياء المدن ، وكان أن طبعت التجارة السنة بطابعها الخاص في كثير من المجالات الثقافية .
الدين والسياسة :
من منظور مثالي معياري إسلامي ، رأى عدد من المفكرين المسلمين القدامي كالماوردي ( توفي سنة 1508م) وابن حنبل وابن تيمية ( على خلاف ما رأى غيرهم لدى معالجة الشؤون السياسية) إن هدف خلق الإنسان عبادة الله ، وإن هذه العبادة تقتضي تنظيم المؤمنين في دولة خاصة بهم ، وأن هذا الأمر يحتاج إلى قيام حكومة دينية تتبع الشريعة وتلتزم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتحمي المسلمين ضد الخطر الخارجي وتحقق الروحان
في محاولة لوصف " البنية الأساسية للحكومة الإسلامية " يستعين المستشرق غوستاف فون غرونباوم بأعمال الماوردي ( توفي 1058م) وابن تيمية (توفي 1328م) ليتوصل من دون تمييز بين النصوص والسلوك وبين الإسلام والمسلمين إلى عدة تعميمات مبسطة ، منها أن " الإسلام يفرض شروطا على مجمل حياة المؤمن وأفكاره " ، فليس هناك " أي شيء مهما كان صغيرا أو شخصيا أو خاصا لا يستحق التنظيم من قبل إرادة مقدسة " ومن هنا أن المسلم "يحس إحساسا عميقا بضحالة الإنسان ، وعدم تأكده من مصيره ، وجبروت السلطة التي لا يمكن التحكم بها ، وهو لذلك ربما كان أكثر استعدادا من الإنسان الغربي لتقبل الأمر الواقع ، فيقر القانون الإسلامي الدستوري حكم المغتصب المنتصر ، ويرضخ المسلم لما يفرض عليه بدعم من قوة جبارة ، ولذلك لم يحد القانون الإسلامي الدستوري مطلقا من سلطة الحاكم " ثم يضيف إلى ذلك أن " المسلم جمع دائما بين القدرة على تقبل عناصر أجنبية مع شيء من التردد في الاعتراف بأصولها الأجنبية".
أولا : أصول الدين في المجتمع والحياة الهادفة :
يشدد البعض على أصول الدين في المجتمع ودوره في تعزيز وحدة الأمة والانتماء ، والبعض الآخر على كونه تعبيرا عن الحاجات الإنسانية للقيم والمبادئ الأخلاقية ، أو للتغلب والتحرر من القلق والخوف والبؤس ، أو لفهم معنى الحياة والإجابة عن أسئلة غامضة محيرة للعقل البشري كمسألة نشوء الكون والمخلوقات ، أو عن كل هذه الأمور مجتمعة ، وفي تحديد الدين ، قد يكون التركيز على الآلهة أو القوى الخارقة المتفوقة على الإنسان ، أو على الصراع بين المقدس والمدنس والله والشيطان ووحدانية الألوهية أو تعددها ، أو على التجارب الذاتية ، أو على الوظائف والأدوار التي يؤديها الدين في المجتمع وحياة الفرد.
بسبب ذلك لا يتفق الباحثون الاجتماعيون حول أصول الدين وطبيعة وظائفه في المجتمع ونوعية علاقته بالبنى التحتية والاقتصادية والنظام السائد ، يؤكد هيغل أن الأفكار والمعتقدات ، أي البنية الفوقية بما فيها الأفكار والمعتقدات الدينية ، هي التي تحدد السلوك الإنساني ، وعلى العكس من ذلك تماما يؤكد ماركس على أن نمط الإنتاج والأوضاع الاقتصادية أو البنية التحتية هي التي تنشأ عنها الأفكار والمعتقدات ، وبين هذين النقيضين يقف ماكس فيبر الذي يتراوح فكره بين التشديد على أولوية الأفكار والمعتقدات ، كما في كتابه الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية ( وهو بذلك أقرب إلى هيغل ) ، وعلى التفاعل بين الثقافة والبنى الاقتصادية ، كما في كتاباته حول التنظيم الاجتماعي والاقتصادي ، وعلى تغليب العوامل المادية في معالجته الجانبية للإسلام ( وهو بهذا أقرب إلى ماركس).
لقد شدد عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864-1920) في معالجته للإسلام على عكس معالجته للعلاقة بين القيم والأخلاق البروتستانتية ونشوء الرأسمالية في أوروبا ، على الصلة الوثيقة بين الدين (خصوصا الإسلامي) والسلوك اليومي الهادف ذي المضمون الاقتصادي ، فقال في كتابه علم اجتماع الدين كلاما يذكرنا بالتفسير الماركسي المادي : إن " غايات الدين .. هي في الأغلب اقتصادية.." مما يفسر سبب عجز الورع الديني عن أن يمنع " فلاحا في جنوب أوروبا من أن يسبق على تمثال قسيس لم يستجب لمطالب كان قد تقدم بها إليه".
انطلاقا من مقولة ماكس فيبر حول السلوك الديني الهادف وصلة العبادة بأمور نفعية ، يشير إلى أن " الآلهة والشياطين .. تأثروا مباشرة ، وبالدرجة الأولى بالأوضاع الاقتصادية والمصير التاريخي لشعوب مختلفة " وأن الإله قد يكتسب مكانة خاصة في نفوس المؤمنين والمؤمنات لكونه في الأصل موضع اهتمام طبيعي في الحياة الاقتصادية ، وفي ما يتعلق بمعالجته للإسلام قال فيبر أن القيم والمعتقدات الإسلامية جاءت متناسقة مع الحاجات المادية للطبقة المحاربة ، وبكلام أدق اعتبر فيبر أن الإسلام زواج بين القيم التجارية والقيم الفروسية البدوية والقيم الصوفية المعبرة عن عواطف الجماهير وحاجاتها ، ونتيجة لهذه المزاجية الثلاثية ، وجهت الطبقة المحاربة الإسلام باتجاه الجهاد والأخلاقية العسكرية ، ووجهته الطبقة التجارية في المدن باتجاه التشريع والتعاقد في مختلف أوجه الحياة اليومية ، ووجهته الجماهير المستضعفة بالاتجاه الصوفي والهرب الضبابي .
وقد ساهمت هذه القيم التقليدية باستمرار نزعة الولاء القبلي الأبوي لشخص السلطان وليس للمؤسسات والسلطة الإسلامية الجديدة ، أي ما أسماه فيبر مصطلح الولاء والطاعة للسلطات ـ الحاكم الذي يحصر القرارات بشخصه مدعيا أنه ظل الله على الأرض ، الأمر الذي يتعارض مع القيم العقلانية والقوانين المدنية ، بكلام آخر ، رأى فيبر تعارضا بين الإسلام وروحا لرأسمالية ونشوء المؤسسات بسبب تأثره بالقيم البدوية ونشوء تحالف بين السلطان وعلماء الدين.
وفي نقده التحليل لآراء فيبر في الإسلام ، لم يقلل براين تيرنر من أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية في نشوء الإسلام وتطوره ، بل توسع في شرحها وأكد عليها مشددا بشكل خاص على عاملين أساسيين : أولا ، الفراغ السياسي الذي كان قد حل في المنطقة نتيجة للصراع التاريخي بين الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية فأضعفهما معا ، الأمر الذي ساعد على ظهور الإسلام وانتشاره ، وثانيا : بروز دور مكة كمركز تجاري مهم على ملتقى الطرق التجارية العالمية ، وهو ما نشأت عنه تطورات أساسية في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحياة الثقافية عامة ، وكان بين نتائج هذه التطورات انحلال القيم التقليدية وبدء انتشار قيم الكسب والجاه والرفاهية الفردية ، في هذا الوضع الانحلالي ، أي المرحلة الانتقالية بين انحلال القيم التقليدية وانبثاق القيم التجارية الجديدة ، نشأت حالة من البحث عن الخلاص والاستعداد النفسي لتقبل قيم بديلة ، وهذا ما قدمه الإسلام ، فملأ الفراغ التاريخي الذي كانت تعيشه الجزيرة العربية في تلك المرحلة الزمنية .
اميل دوركايم اعتبر أن روح الدين هي في الواقع فكرة المجتمع نفسه ، وهو يرى بكلام آخر أن الدين رمز من رموز المجتمع والمعبر عن وحدته وعصبيته ، إن إله العشيرة ليس سوى العشيرة نفسها مشخصنة أو ممثلة بالإله بحسب التصور الإنساني ، وبذلك تكون عبادة الإله هي في الواقع عبادة المجتمع ، وتكون وظيفة الدين الأساسية هي تعزيز وحدة المجتمع وعصبيته إن إله العشيرة ليس سوى العشيرة نفسها مشخصنة أو ممثلة بالإله بحسب التصور الإنساني وبذلك تكون عبادة الإله هي في الواقع المجتمع نفسه ، ويستدل على ذلك من مفاهيم الطوطم ومبادئ الطوطمية التي لها شأن كبير في التنظيم والتماسك الاجتماعيين ، أما الطوطم في الأديان القديمة فهو جسم محسوس ، وهو رمز للأب أو الجد الذي يتحدر منه أفراد القبيلة فينظرون إليه في احترام وخشوع ، وهذا الطوطم ليس مهما بحد ذاته ، بل بما يمثل إنه رمز لروح القبيلة واستمرارها ، والمعبر عن شخصيتها وهويتها ، بل إن المجتمع يتجسد في الطوطم والآلهة فيكون هو موضوع العبادة ، وذلك لحاجة المجتمع إلى أن يؤكد ذاته بذاته ويرسخ شرعيته وقيمه ، بحسب هذه الرؤية يكون الله صورة للمجتمع ، ليس المجتمع صورة لله .
إن مقولة دوركايم التي تشدد على أن وظيفة الدين هي تحقيق وحدة المجتمع تذكرنا بدور الإسلام في توحيد قبائل الجزيرة العربية والحضر والبدو ، مما ساهم في قيام الفتوحات الإسلامية الصاعقة ، ولذا تكلم كل نبي بلغة شعبه فكانت الآية ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم .. ) [ سورة إبراهيم : الآية4] ومن المناسب هنا أن نشير كذلك إلى كلمة دين في اللغات الغربية مشتقة من الكلمة اللاتينية Religare التي تعني وحدة الجماعة وهويتها أو من الكلمة Religer التي تعني الممارسة مشيرة إلى طقوس تعبد الجماعة ، أما في اللغة العربية فتشير كلمة دين إلى المحاسبة ، أي مواجهة الله ( يوم الحساب أو يوم الدينونة ) أو المحاسبة تجاه المجتمع ( السيرة الصالحة أو الشأن الحسن ) ولذا يسمى الله " الديان " وهذه تسمية الحاكم والقاضي أيضا .
وفيما أكد دور كايم على الوظيفة الإيجابية للدين وهي التماسك الاجتماعي ، ركز كارل ماركس (1818-1883) على جوانب سوء استعمال الدين من قبل المؤسسات والطبقات والقوى المهيمنة في المجتمع ، ومن حيث الدعوة لترسيخ قيم الصير وتحمل الضيم والمصالحة مع الواقع المرير ، فاعتبره من هذه الناحية " أفيون الشعب " شدد ماركس على استعمال الدين من قبل القوى السائدة في المجتمع من أجل تثبيت شرعيتها وتشجيع الضعفاء والفقراء على تقبل أوضاعهم المغربة في المجتمع والاستكانة لها بدلا من العمل على تغييرها ، ما رفضه ماركس في الدين هو الدعوة إلى الطاعة والامتثال على أنها قوانين إلهية ، بهذا المعنى فحسب يرى الدين " أفيون الشعب " ويكون من الوباء استغلال هذا التعبير خارج سياقه التاريخي.
ولا تخلو الأدبيات العربية في هذا المجال من محاولات الربط بين الدين والحياة الاقتصادية ، من ذلك ما يمت بصلة وثيقة إلى العلاقة بين الجهاد الإسلامي والعوامل الاقتصادية ، يوضح زهير حطب أن الإسلام " حين فرض الجهاد على المسلمين ، كان بطريقة مباشرة يعالج عدة مسائل في آن واحد ، فمن جهة تجب تصفية الأحقاد التي نمت على المدينة ، ومن جهة أخرى هناك أثر الحياة القبلية وعصبيتها ، والغزو الذي يعتبر جانبا أساسيا من الحياة البدوية ، وكان الإسلام أوقفه في الجزيرة ، كما أن قضية مورد الجزيرة التي أصبحت أقل من حاجة سكانها ، كانت تضغط في سبيل إيجاد مورد عيش جديد " .
ويشدد زهير حطب كذلك على أهمية العامل الاقتصادي بقوله إن المسلمين " وجدوا في الدين الجديد ، طريقهم إلى المجد والثروة والغنى " يشير إلى أن مكة ( التي كانت تعتاش من عوائد الكعبة ) حاولت قبل الإسلام أن تسترضي القبائل بوضع صنم خاص لكل قبيلة ، كما أوجدت قريش في سوق عكاظ مسرحا للأدب والشعر ، أما السعي لإيجاد نظام جديد يوائم بين الجماعات التي يتألف منها المجتمع بعد أن كانت العلاقات بين الحضر والبدو علاقات عدائية ، فإننا نعرف أنه لم يتوقف في المراحل التاريخية التي تلت ذلك ، وهذا ما أظهره ابن خلدون بكل وضوح.
الدين ومهما تعددت الأصول ، ممارسات ومعتقدات شعبية تساعد المؤمن على فهم الكون والتعامل معه ، والحياة والموت وما بعده ، وهو في كل ذلك متنوع إلى أقصى الحدود نتيجة لتنوع الأوضاع والأحوال والعلاقات والأنظمة والبيئات وأنماط المعيشة ، يفسر المؤمن دينه بحسب أوضاعه وحاجاته الخاصة والعامة ، فيهمل بعض جوانبه كما يقبل على بعضها الآخر ، والتفسيرات التي قد تسود في زمن ما قد لا تسود في أزمنة أخرى .
هناك أبحاث تناولت الدين من منظور العلوم الاجتماعية منها بحث أجراه عالم النفس الاجتماعي غاي سونسون الذي حاول في كتابه مولد الآلهة (1960م) أن يتعرف ـ من خلال دراسة نشوء الأديان في كثير من المجتمعات والثقافات القديمة ـ إلى مدى وجود التقاء بين العوامل الاجتماعية وعدد من المعتقدات والممارسات الدينية ( مثل تعدد الآلهة ، والتوحيد ، والاعتقاد بروح الآباء والأجداد ، والتقمص ، وديمومة الروح ، والعجائب ) ، وبين أهم ما توصل إليه وجود علاقة وثيقة بين التعدد الاجتماعي والإيمان بتعدد الآلهة ، فكانت المجتمعات المتماسكة تميل نحو الإيمان بإله واحد على عكس المجتمعات المفسخة (القبلية مثلا) التي أبدت نزوعا ظاهرا للتمسك بفكرة تعدد الآلهة ، ومما وجده انتشار السحر في تلك المجتمعات التي تتصف بغياب معايير واضحة تنظم العلاقات البشرية وكيفية التعامل مع قضايا أساسية).
ثانياً : التمييز بين الدين والطائفة ، وبين الدين الرسمي والدين الشعبي والتصوف:
1 – الدين والطائفة :
من الضروري أن نميز بين مفهوم الدين الذي يشير في الأساس إلى العقيدة والمفاهيم والمبادئ والتعاليم أو المعتقدات والطائفة التي تشير إلى التنظيم الاجتماعي الذي تسلكه أو تعتمده جماعة دينية ، مما يحدد هويتها وولاءتها والقوى الفاعلة فيها كرجال الدين ، بالمقارنة مع جماعات طائفية أخرى موجودة في المجتمع نفسه.
حدد ناصيف نصار الطائفة ، في سياق دراسته للمجتمع اللبناني ، بأنها " جماعة منظمة من الناس يمارسون معتقدا دينيا بوسائل وطرق وفنون معينة ، أنها إذا تجمع ديني في الأصل والممارسة والغاية ، وإذا ما اكتسبت مع الزمن بعدا اجتماعيا سياسيا ، فذلك عائد إلى نوع فهمها وتطبيقها للدين وإلى الظروف التاريخية التي اجتازتها ) .
وقد يغلب التوجه الطائفي فيتخذ طابعا سياسيا تؤسس الطوائف بموجبه أحزابها وتنظيماتها الخاصة بها في حالات عدة ، منها رسوخ قوة الجماعات الوسيطة يقابلها ضعف الدولة المركزية ، والميل عندا لأغلبية الدينية في مجتمع تعددي لتحديد دين الدولة بحيث يخدم مصالحها ويميزها من غيرها ، فتتعزز التفرقة بين الناس في الحقوق والواجبات وتتمتع بعض الطوائف على حساب الطوائف الأخرى بالنفوذ والجاه والثروة والمكانة الاجتماعية ، والتدخل الخارجي من قبل قوى أجنبية تعمل في ترسيخ هيمنتها بالإضافة إلى ذلك يصبح لكل طائفة مرجعية خارجية تعمل في المدى البعيد على مزيد من التجزئة .
توصل جمال حمدان إلى أن مشكلة الطائفية مهما بدت قديمة في العالم العربي فإنها لم تنفصل في أي مرحلة من مراحلها عن الاستعمار : هو الذي غذاها ، إن لم يكن خلقها وهو الذي اتخذ منها أداة سياسته يدعم بها وجوده ، ذاكرا أن الصليبية تذرعت بحماية الشيعة من السنيين فضلا بطبيعة الحال ، عن زعمها حماية المسيحيين ، والاستعمار التركي ، لكي يضرب عناصر الدولة المتنافرة بعضها ببعض فيضمن بقاءه ، وضع عامدا متعمدا نظام الملة الذي يحدد إطار الحكم على أساس الدين ، وخلق بذلك وعيا دينيا بالذات ، وبذر أول بذور الطائفية ، وفضلا عن هذا فإن الاستعمار التركي ، بتعصبه الضيق الأفق واضطهاده للشيعة ، هو الذي زرع الأشواك بين الفرق الإسلامية نفسها ، ثم يأتي الاستعمار الأوروبي بنفسه يستغل الطائفية بلا مواربة وكسياسة مرسومة ، فاحتضن الأقليات وعمل على خلق شعور بكيان خاص لها .
وبعد أن استعمل الاستعمار الغربي الإرساليات التبشيرية ووضع بعض الجماعات في مواقع التميز الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، أقام إسرائيل كنموذج للكيانات الطائفية والدينية ، من هنا تحريض المفوض السامي الفرنسي بقوله الاستفزازي في دمشق : " لقد عدنا يا صلاح الدين " فاعتبر هذا القول شماتة كبرى ، ولذلك يتساءل حمدان : " أمن الغريب إذا أن تلتهب الحماسة الدينية حتى تصبح النبرة الإسلامية ودعة وحدة المؤمنين هي الشعار المضطرم في طول العالم الإسلامي وعرضه".
وعلى صعيد التنظيم الديني توزع المسلمون إلى طوائف سنية وشيعية جعفرية وزيدية ( شيعة اليمن ) وإسماعيلية ( قلة منهم تعيش في سوريا ) ودرزية ( الدروز الموحدون الذين يعيشون في سوريا ولبنان وفلسطين ) وعلوية ( وتعرف بالتنصيرية أيضا بالنسبة لمحمد بن نصير في القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي ، وتعيش غالبيتهم في سوريا ، وشافعية وأباضية ( المغرب ومقسط وعمان ) وقد شهدت بعض العهود ميلا للاضطهاد والفتن والتحكم مما يدل على قدم الطائفية.
وهناك في المجتمع العربي طوائف مسيحية عدة لكل من تجمعاتها وكنائسها المستقلة ومرجعياتها ، وهي الأقباط ، والروم والأرثوذكس ، والروم الكاثوليك ، والكاثوليك اللاتين ، والموارنة ، والانجيليون البروتستانت ، وتتنوع هذه الطوائف بحسب الانتماءات العرقية من شرقية ولاتينية وسريان وكلدان وأرمن وآشوريين ، وقد تمثلت تنظيماتهم السياسية الرسمية في الدول الإسلامية بنظام أهل الذمة ، فحق لأهل الكتاب تاريخيا ممارسة دينهم وشرائعهم وعاداتهم مقابل الولاء وإيفاء الجزية ، الأمر الذي لم يجنبهم الاضطهاد الذي كان قد أصبح لزمن بعيد جزءا من المخزونات النفسية .
وقد تمت الاضطهادات على عكس ما أوصت به الآيات القرآنية التي تدعو إلى التسامح ورحابة الأخلاق واحترام حق الاختلاف ، وهذا ما يتخذ دليلا على الفرق الشاسع بين المثال المعياري والواقع السلوكي ، ومنها ( لا إكراه في الدين ) ، و(قل الحق من ربكم فمن شاء فيلؤمن ومن شاء فليكفر ) ، ( ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ) ، ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) ، و ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة).
ليس الاضطهادات شأنا دينيا ، بل هو ظاهرة طائفية ذات ارتباط وثيق بالصراع الاقتصادي السياسي ، وبالامتيازات التي تتمتع بها بعض الطوائف والطبقات بعضها على حساب البعض الآخر ، وليس هناك ما هو أدق تفسيرا للنزاعات الطائفية والاختلاف في التوجهات السياسية من مواقع الناس في الترتيب الطبقي الهرمي السائد في المجتمع ، كلما ازداد حفظ الطائفة وكثرت امتيازاتها وارتفعت مكانتها الاجتماعية في بنية التنظيم الطبقي الهرمي ، ازداد ميلها للتمسك بالوضع القائم والمحافظة عليه وتعمقت عصبيتها ضد من هم دونهم شأنا ، وعلى العكس من ذلك تماما ، كلما تدنت مكانة الطائفة ، ازداد اغترابا ورغبة في تغيير النظام القائم ، وفي مثل هذه الحالة تقل احتمالات الاندماج الاجتماعي فيكون التفسخ الذي يعبر عنه المثل الشعبي بقوله : " الذي يتزوج من ملة غير ملته يقع بعلة غير علته"
يمكن تعريف الدين الرسمي على أنه المعتقدات والممارسات الدينية كما تحددها المؤسسة الدينية التاريخية وعلماء الدين المعنيين بتفسير المعتقدات والطقوس انطلاقا من النص القرآني والشريعة والوحي ، ويعتبر الأزهر لدى السنة أهم رموز هذه المؤسسة الرسمية ، بينما يعتبر النجف مركز المؤسسة الشيعية ، كذلك يتمثل الدين الرسمي لدى المسيحيين العرب بالكنائس والبطريركيات المختلفة ، ومن منظور هذه المؤسسات يصدر ما يعتبر التفسير الصحيح والأصيل للمعتقدات والممارسات الدينية.
وليس أدل على الدين الرسمي من الجهاز الديني في علاقاته مع السلطة الحاكمة ومراكز القوى الاجتماعية والاقتصادية المختلفة ، وفي سبيل تقديم مثل محدد ، نشير إلى دراسة أجراها عبد الغني عماد ، حول الجهاز الديني في مدينة طرابلس في العهد العثماني مستعينا بسجلات المحكمة الشرعية ، تبين من هذه الدراسة تفضيل صلاة الجماعة في المسجد على صلاة الفرد ، وأن مفتي استانبول الذي لقب بشيخ الإسلام كان من حقه تعيين جميع المفتين في الخلافة ، وأن السلطة حولت قسما من العلماء إلى موظفين " يرتبط استمرار رزقهم بمدى رضى الحاكم عنهم " وأن الهيئة الدينية كانت تشكل جزءا من جهاز الحكم إلى جانب الهيئة العسكرية والهيئة الإدارية، وأن الوظائف الدينية في مدينة طرابلس كانت تتألف من 22 وظيفة للجهاز الديني تتدرج من منصب الافتاء إلى الخدامة ، ومنها المفتي ونقيب السادة الأشراف والإمام والخطيب والمدرس والمؤذن والموقت أو الميقاتي ومؤدب الأطفال ، وكان من السائد أن تتم الوراثة في هذه الوظائف ، ونتيجة لذلك نشأت عائلات دينية لعبت دورا كبيرا في السياسة ، وكانت الأوقاف مؤسسة غنية ومصدر تمويل الجهاز الديني وقاعدته المادية .
أما الدين الشعبي فهو المعتقدات والممارسات الدينية باستقلال نسبي عن المؤسسة الرسمية ، وهو شديد التنوع بحسب البيئات والنظم الاجتماعية والأحوال الاقتصادية وأنماط المعيشة ، ويتمركز حول المزارات أو أضرحة الأولياء والقديسين الصالحين ممن لهم أصول في التاريخ حول شخصيات أسطورية ، ومن عناصره تدرجات القداسة ، والتفسيرات الرمزية ، وضعف العلاقة مع علماء الدين
( خاصة حين يمثلون السلطة الرسمية ) ، والتمسك بتقاليد مشتركة بين مختلف الطوائف مستمدة من عهود قديمة قد تعود في بعضها إلى ما قبل نشوء الديانات التوحيدية ، ومن عناصره الأخرى التشديد على شخصية القوى المقدسة والوسطاء بين المؤمن والله ، وعلى أهمية التجربة الروحية الذاتية والورع الداخلي ، والإيمان بالعجائب الخارقة وبالبركة ، والتأويل ، ويتمركز التعبد حول شخص الولي والقديس أكثر منه على النصوص والتعاليم المجردة.
وينتشر الدين الشعبي خاصة في الريف والبادية وبين الفقراء والمحرومين والضعفاء ، وهو محبب للنساء وخاصة المتقدمات بالعمر ، وحيث يقوم فصل بين عالمي المرأة والرجل ، والطبقات الدنيا والفلاحين والبؤساء ، وقد تبين من سلسلة دراسات بإشراف عائشة بلعربي في المغرب أن من عادة النساء زيارة الأولياء باعتبار أن المجتمع المغربي يتميز بتقسيم فضائي بين الجنسين ، فكل ما هو مغلق ينتمي إلى قضاء المرأة ، وكل ما هو عام ينتمي إلى فضاء الرجل .. وقد لوحظ أن زيارة الأولياء شبه مقصورة على نساء الطبقات الفقيرة ، ذلك أن الحاجة إلى زيارة الأولياء ترتبط بالمشاكل الاجتماعية التي تمس الناس ومنها البطالة ، والرسوب المدرسي ، كما تتيح الفرصة للتعبير عن النفس ، أي الإفصاح عن الآلام والصعوبات الداخلية التي لا يتم التعبير عنها بصوت عال .
ويقوم بين الدين الرسمي والدين الشعبي صراع خفي ومعلن يتخذ مظاهر عدة في الحياة اليومية ، وقد تمكنت المؤسسة الرسمية ، دينية وسياسية معا ، من منع الممارسات الشعبية في المملكة العربية السعودية ، وتجاهلتها بعض البلدان الأخرى بين الحين والآخر كما في مصر وسوريا والعراق ، وتعايشت معها كما في المغرب العربي لرسوخها في حياة الناس ، وفي مختلف الحالات يبرز الدين الشعبي عندما يكثر الظلم والبؤس من دون تدخل من قبل العدالة الإلهية ، بذلك تحتاج الطبقات الشعبية الفقيرة العاجزة إلى وسيط يتجسد في شخص صالح يشاطرهم حياتهم ويتحسس مآسيهم ويساعدهم على حل مشكلاتهم وينصرهم ضد ظالميهم ويتكلم لغتهم ، لذلك يكثر وجود أضرحة الأولياء والمزارات والزوايا والطرق الصوفية في أحياء المدن الفقيرة المحرومة والقرى النائية التي لا تصلها المؤسسة الدينية المتمركزة في المدينة ، في شراكة مصلحية مع سلطة الدولة ، فلا يكون من الغرب أن يشير الشيخ عبد العزيز بن باز إلى لغة الشعب بأنها " لغة الرعاع والتنكر للغة الفصحى " وإلى أن الفروقات الطبقية أمر طبيعي ولا فرق في الإسلام بين غني وفقير ، بل هم في ذلك أخوان متحابون في الله ، متعاونون على البر والتقوى ، مجاهدون في سبيل الله ، صابرون على دين الله.
وبين الدين ميزوا بوضوح بين الدين الرسمي والدين الشعبي مؤرخ الحياة الدينية حسني حداد ، الذي يقول إنه تحت طبقات تعدد الانتماءات الدينية والطائفية والمذهبية ، نجد تيارا مشتركا من التدين بين كل الفلاحين الذين يؤمنون المزارات نفسها لإظهار تدينهم وتقديم نذورهم ، وللمسيحيين والمسلمين على الساحل السوري عدة أماكن مقدسة مشتركة ، كما أنهم يشتركون في معتقدات وأساطير شعبية تتعلق بقوى الطبيعة والمحظورات والعبادات والنذور ، والتدقيق في هذا التيار الديني المشترك يظهر أن مبادئ العبادة السورية القديمة ، عبادة مظاهر الخصب وقواه في الطبيعة ، ما زالت فاعلة في الريف السوري.
إن الدين الشعبي كما يمارس في المجتمع العربي ويتجلى في الثقافة الشعبية السائدة يشكل أداة من الأدوات المتاحة للشعب في سعيه للتغلب على مشكلاته المستعصية هذا ما يبدو خاصة في مراسم الإذكار والخلوات واستحضار الجن والتسابيح التي يظن أنها تحمي التعساء من نوائب الدهر ، بل قد يتعود هذه الممارسات على النظام السائد بالخير ، فكثيرا ما عرف كيف يستعمل الدين الشعبي كما الدين الرسمي لصالحه بحيث يشكل مهربا من الواقع وليس خروجا عليه ، بلجوئه للأولياء يفوض الشعب أمره لهم بدلا من مجابهة الواقع بالاعتماد على طاقاته وموارده الخاصة ، إن الزوايا ملجأ من الواقع وليست تجاوزا له ، ولكن المؤسسة الدينية الرسمية ليست بأفضل منها ، فليس من المنتظر أن يخرج منها منقذون يتحسسون مآسي الشعب ، تماما كما لم يخرج من طبقة رجال الدين الرسمي في كل التاريخ البشري أنبياء يجددون الحياة .
وبين أبرز الاحتفالات الدينية الشعبية تقاليد الاحتفاء بالأولياء وآل البيت ، ومنهم السيدة زينب .
الصوفية :
للدين الشعبي تجلياته الخاصة في الطرق الصوفية الواسعة الانتشار في المجتمع العربي التقليدي كما في المجتمع المعاصر ، وللصوفية مصادرها الشعبية باعتبار أنها نشأت تلبية لحاجات اجتماعية نفسية اقتصادية سياسية لدى جماعات وأفراد وجدوا بانتمائهم للطرق وسيلة منظمة تمكن أعضاءها من تجاوز عجزهم ، ثم هناك مصدر آخر جاء نتيجة لرفض الانشغال بالأمور الدنيوية القائمة على البذخ وهيمنة المؤسسة الرسمية ، أو لشعور بعض أصحاب الفكر بالاغتراب عن الدين الرسمي المنشغل بالنصوص والسنة انشغالا حرفيا أصوليا متزمتا يضيق من آفاق العقل المبدع ، ولتنوع هذين المصدرين ، سنتناول الصوفية على صعيدين : صعيد الطرق الصوفية التي تندرج في الدين الشعبي ، وصعيد التأمل الفكري كمعاناة في السعي للتوصل إلى الحقيقة.
على صعيد فكري تقلب الصوفية معادلة العلاقة مع الله من علاقة خوف إلى علاقة حب ، وتتجاوز حرفية النص إلى جوهره ومعانيه الرمزية ، فتقدم تأويلات إشراقية انطلاقا من التجربة الذاتية والحدس للتوصل إلى الحقيقة ، من خلال الرياضة الروحية والزهد بغية إقامة علاقة مباشرة مع الله بالتوحد به ، بهذا المعنى ، تتصل الصوفية ، كما يقول أدونيس ، بالتجربة الباطنية ، وتقوم على تجاوز الثقافة السائدة والظاهر المنظم إلى باطن العالم فتعنى بمعانيه الخفية ، إنها تسعى لتجاوز النص إلى المعرفة الكامنة وراءه بتأويله وإرجاعه إلى أصوله والكشف عن حقيقته ، فالظاهر ليس إلا صورة من صور الباطن ، وكما رفضت الصوفية أن تعتمد النص في ظاهره ، كذلك رفضت أيضا أن تعتمد المنطق أو العقل في التوصل إلى صلب الحقيقة ، إن الطريق التي يسلكها الصوفي لمعرفة الحقيقة هي التجربة الحسية أو المشاهدة بالسفر من الظاهر إلى الباطن ، وبالصعود نحو الله والهبوط نحو النفس حيث يوجد الله أيضا ، وينتهي السفر صعودا وهبوطا بالتوحد أو الفناء في الله أو الحب.
ويرى أدونيس أن كلمة صوفي ترتبط بما هو خفي وغيبي ، والاتجاه إلى الصوفية أملاه عجز العقل والشريعة الدينية عن الجواب عن كثير من الأسئلة العميقة عند الإنسان ، وأملاه كذلك عجز العلم ، فالإنسان يشعر أن ثمة مشكلات تؤرقه حتى .. عندما تحل جميع المشكلات بواسطة العقل والشرع والعلم ، هذا الذي لم يحل هو ما يولد الاتجاه نحو الصوفية ، والهدف الأخير الذي يسعى إليه الصوفي هو أن يتماهى مع هذا الغيب أي مع المطلق ، وهذا هو مصدر الخلاف الرئيسي بين الصوفي والفقيه الذي يمثل الدين الرسمي ، ومن هذه الزاوية ، يرى قسطنطين زريق أن بين مصادر التوتر في الحضارة الإسلامية مسألة منهج الوصول إلى الحقيقة ، أي الوحي أو العقل أو التجربة المباشرة ، وقد سلكت الصوفية منهج التجربة الذاتية المباشرة ، وقد سلكت الصوفية منهج التجربة الذاتية المباشرة التي بدأت بالزهد بأمور الدنيا والتقشف والتنسك للمرور في مقامات متتابعة من تطهير النفس.
وكانت الصوفية قد ازدهرت في الإسلام حين بدأت الطبقات النافذة تميل للتمتع بالثروات التي نتجت من الفتوحات ، فأقبلنا عامة المسلمين على الصوفية كبديل يشدد على الزهد والتنسك والتقشف في سبيل تطمين النفس لما رأت من تحول عن الدين ومنهم من اختاروا التشديد على أهمية المعاني الداخلية والرموز والقلب والسعادة الروحية وحب الله من أجل ذاته وليس لأغراض خارجة عن الدين وخوفا من الجحيم أو طمعا بالجنة بحثوا في الحقائق الكبرى بالغوص في النفس الإنسانية فانشغلوا بعبادة الله وتركوا شؤون الدنيا فانعزلوا عن المجتمع ؛ كما تقول أدبيات الصوفية فـ " أجاعوا الأكباد وأعروا الأجساد " واستعانوا بالصبر والصلاة منتظرين الفرج من الله بمحبته والطاعة له فيما أمر والانتهاء عما زجر والرضا بما حكم وقدر ، وقد صدر الإحساس بالرضا من مقولات " استقبال الأحكام بالفرح" والاطمئنان إلى سرور القلب بمر القضاء والفقر أحب من الغنى ، فـ " الراضي لا يتمنى فوق منزلته"
وعلى صعيد نشوء الطرق الصوفية وانتشارها فقد كثرت الدراسات حولها في مختلف عصورها واتجاهاتها ، ويتبين منها أنها انتشرت لظروف تاريخية وفي مختلف العصور حيث يوجد المسلمون متجاوزة حدود البلدان ، وتنشأ كل طريقة حول ولي مؤسس تعرف باسمه ، وبين أهم الطرق الصوفية الواسعة الانتشار في المجتمع العربي تلك التي اتبعت عبد القادر الجيلاني ( توفي سنة 1166م) ، وأحمد الرفاعي ( توفي عام 1775م) ، وحسن الشاذلي ( توفي سنة 1258م) ، وأحمد البدوي ( توفي عام 1257م) ، وقد ذكر عالم الاجتماع الأمريكي مور بيرغر أن 64 طريقة صوفية كانت تعمل في مصر في الستينات وتمثلت جميعها في المجلس الصوفي الأعلى.
وتنتظم الطرق الصوفية حيث وجدت تنظيما هرميا ، فيكون شيخ المشايخ في رأس الهرم يليه الشيخ فنائبه أو الوكيل ( في الأقاليم الرئيسية ) فخليفته ( رئيس الزاوية) فالمريدون ، وتأتي هذه السلطة المتدرجة على أساس الخبرة والمقدرة ، ولكن كثيرا ما ينتقل المنصب في العائلة من جيل إلى جيل ( بحسب سلسلة البركة المتحدرة في العائلة ) .
وبين أهم الطقوس المتبعة في الطرق الصوفية حلقات الذكر ، وهناك الذكر الخفي (الذي يحصل فيه ترديد ذكر الله في الذهن وبصوت منخفض ) والذكر الجلي (إنشاد قصائد دينية وتراتيل صوفية وتوسلات لآل النبي ) ، ومهما كان نوع الذكر المتبع فهو يتطلب نية صالحة وصافية وحضورا ، وتنشط الطرق الصوفية في الموالد ومنها موالد النبي والحسين وزينب ، وموالد الأولياء ( كمولدي أحمد البدوي في طنطا وإبراهيم الدسوقي في دسوق ) وموالد خاصة تحصر بأولياء أهل الطريقة أو جماعة ما كذلك مهما كانت طبيعة هذه الموالد والمواسم ، فإن لها أهمية اقتصادية وتحدث في مواسم البحبوحة ، ومثالا على ذلك أن مولدي البدوي في طنطا والدسوقي في دسوق يحصلان توا بعد حصاد القطن في آخر الصيف ، وبحسب التقويم القبطي وليس بحسب التقويم الإسلامي القمري كي لا يتغير موعده.
ويعتبر الولي عارفا بالله وسيطا إليه وحكما يصلح بين الناس وعالما قادرا على منح البركة وصنع العجائب والخوارق والكرامات ، يقصده المتعبدون حاملين إليه أعطياتهم ونذورهم كي يستجيب لتوسلاتهم وطلباتهم وشكاويهم ، وحين يقدم المتعبد نذوره ووعوده ، يبدو وكأنه يضع شروطا فيقول مثلا : إذا عملت كذا وكذا يا ولي الله أعمل لك كذا وكذا ، وكثيرا ما تتلاشى العلاقة الرسمية ويزول الورع في توجه المتعبد إلى الولي فنرى أنه يقصد الضريح ويقرأ الفاتحة ثم يصرخ " يا أ؛مد ، يا بدوي ، يا شيخ العرب ، أقصدك ... " .
الدين والعائلة :
هما أكثر المؤسسات الاجتماعية تقليدية وتكاملا وتداخلا وعضوية حتى ليصعب الفصل بينهما منذ بدايات التكون الاجتماعي ، يعزز كل منهما موقع الآخر فيشكلان معا صرحا منيعا في الدفاع عن التقاليد ، ولكن عند المقارنة بينهما ربما يمكن القول أن العائلة سابقة للدين بمعنى أنه نشأ أصلا في كنف العائلة التي كانت مركز التعبد والنشاطات الدينية الأولى ، وقد كان السلف موضوع التعبد كما كان سيد العائلة هو الكاهن أو الإمام الأول ، ونعرف كذلك أنه كان لكل قبيلة إلهها الخاص بها ، وأن القبائل المغلوبة كثيرا ما كانت تتبنى آلهة القبائل المنتصرة عليها ، وأن التجمعات القبلية كانت تمتاز بتعدد الآلهة ، فيما تميل المجتمعات المتماسكة نسبيا للتوحيد ، لذلك أميل للاعتقاد ، عكس ما هو سائد ، بأن العائلة هي التي طبعت الدين بصورتها ولها الأولوية عند التناقض ، ولكن الدين عاد فعزز من أشكال الحياة العائلية وقيمها التقليدية في أصولها الأولى منحها القداسة التي تجعلها مساوية له في أهميتها من حيث رسوخها في الواقع الاجتماعي.
درس أحمد الربايعة عبادة الأصنام في الجزيرة العربية قبل الإسلام ، وبين أهم ما توصل إليه وصف العلاقة التاريخية بين العائلة والدين ، فقد اعتبر أن الديانة الوثنية ديانة وضعية ، أي من وضع البشر ، وقد نشأت بفعل الضرورة الاجتماعية ، ولكنه بهذا ربما أراد أن يوحي للقارئ خطأ وتخوفا بأن الديانات التوحيدية ليست وضعية ولم تنشأ بفعل الضرورة الاجتماعية .
يظهر الربايعة أن الكعبة كانت تحظى بعدد كبير من الأصنام يزيد على 300 صنم ، كان توزيع هذه الأصنام منسجما مع التوزيع القبلي ، ومثلا على ذلك ، كانت قريش وكنانة تعبدان هبل وصنمه بصورة إنسان من عقيق أحمر ، والأوس والخزرج مناة التي أجمع العرب على تعظيمها ، ويتكون صنمها من حجر أسود ، وبنو ثقيف وأهل مكة جميعهم اللات ، وبنو سليم العزى التي كان صنمها أعظم الأصنام عند قريش ، وهو عبارة عن ثلاث شجرات.
ومن ناحية أخرى تتصف العلاقة بين العائلة والدين بالتناقض كما بالتكامل ، وفي آن معا ، حاول الإسلام من ناحية استبدال الولاء القبلي بالولاء الديني ودمج القبائل المتنازعة في أمة موحدة الرؤية والمصير ، ولكنه أكد في الوقت نفسه على الأهمية القصوى للأسرة كنواة للمجتمع حض على طاعة الأهل وإكرامهم ، وليس في الأمر غرابة فالأفراد يرثون دينهم وينشأون على تعاليمه في العائلة ، وتكون المحافظة عليها والتمسك بها وتقدسيها بحد ذاتها محافظة على الانتماء الديني بذاته ، ولهذا تصر مختلف مؤسسات الأديان على الإشراف والوصاية على الأحوال الشخصية ، وقد عمل الدين على تثبيت النظام الأبوي وتعزيزه على حساب النظام الأمومي الذي كان معروفا لدى بعض القبائل العربية ، وشكل مصدرا أساسيا لكثير من التقاليد والقيم التي تنظم الزواج والطلاق والإرث ونوعية العلاقات الأسرية ، وذكرنا من زاوية أخرى أن الأعراف العائلية والقبلية قد تتناقض مع الأعراض وحتى مع الشرائع الدينية ، وتتخذ في كثير من الأحوال الأسبقية عليها بسبب رسوخ الحياة العائلية في المجتمع العربي وشدة ارتباطها بالشؤون المعيشية وباعتبارها الجماعة الوسيطة الأهم في تأمين الضمان الاجتماعي لأفرادها ، ومن هناك إن ولي أمر البنت يستطيع أن يمنعها من الزواج بمن تريد رغم أن الشرع يقرر لها هذا الحق.
وبين أهم جوانب العلاقة بين العائلة والدين التشابه الكبير بين صورة الأب وصورة الله في أذهان المؤمنين والمؤمنات ، فيصلي المسيحيون ، أبانا الذي في السماء ، ويقول بولس الرسول في إحدى رسائله ، " يا إخوة اشكروا الله الآب " رغم ما يقال في الكنسية المسيحية من أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله ، ونستطيع أن نتفهم شدة التشابه بين صورة الله وصورة الأب من خلال الأسماء الحسنى ، في الإسلام ، فكلاهما يوصف بأسماء الرحمة والتجبر في آن معا ، تطلق على كل منهما من ناحية الأسماء التالية المستمدة أصلا من وظائف دور الأب في المجتمع العربي التقليدي والتي تشدد على جوانب الرحمة والعطاء ، الرحيم ، الغفار ، الوهاب ، الرزاق ...الخ .
الدين والطبقات الاجتماعية :
أ ـ استخدام الدين في إضفاء الشرعية على النظام العام القائم وتسويغ امتيازات الطبقات الغنية والحاكمة :
نشأت طبقة ارستقراطية في المجتمعات الإسلامية وجدت في الدين طريقها إلى الثروة ، في هذا المجال حدثنا علال الفاسي عن ظهور ما أسماه نظريات شاذة لحل المشكلة الاقتصادية في التاريخ الإسلامي بعد موت الرسول ، فيقول أنه بتوسع الفتوحات " كثرت الأموال في يد المسلمين .. وتغلبت الأهواء على بعض ولاة الأقاليم وأعوانهم ، فأخذوا يستغنون ويتأثلون ، ولم يعد لهم من الزهد أو الورع ما كان للرسول وخيرة أصحابه .. وتميزت الطبقات فأصبح هناك فقراء مدقعون وأغنياء مترعون ، ونشأ في الأولى روح الانتقاد على الثانية فأخذت تتألب وتبحث عمن يقودها لمقاومة الثروة غير المعهودة والمطالبة بالمساواة في أسباب المعاش ، طبقا لما كانت تفهمه من تعاليم القرآن الأولى ، وأول حركة اجتماعية ظهرت من هذا القبيل كانت تحت لواء الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري .
والأحرى أن نقول إن الأموال كثرت في أيدي بعض المسلمين بدلا من يد المسلمين ، إذ لم تذهب إليهم بالتساوي ، بل جعل النافذون منهم " يبحثون في تعاليم الدين ومبادئه وأحكامه عما يمكنهم من تحقيق أهوائهم " فقد استغل هؤلاء أحكام الإسلام ليستمتعوا بزينة الدنيا التي بدأت تنصب عليهم ، بذلك تكونت طبقات اجتماعية جديدة وعائلات لها امتيازاتها " كالمهاجرين والأنصار وأهل بدر وأهل القادسية وكذلك أصحاب النسب الهاشمي ، والقرشي والأشراف .. وأبناء الأنصار والمهاجرين وأصبح الهاشميون من أهل السعة والرخاء يتمتعون بشرف الملك ولا يحملون أوزاره أو أعباء تبعاته ، فانغمس أكثرهم في الترف ، ومع الزمن اجتمع لبعضهم مال كثير وثروات طائلة بمختلف الطرق .. وأخذ أبناء هذه الطبقة الأرستقراطية النسب يقدرون قيمة الأرض ويسعون إلى امتلاكها ، وتحولت تلك الأرستقراطية القائمة على فكرة النسب الرفيع إلى ارستقراطية مالكة للأرض وحضرية ، أي أصبحت تقوم على قاعدة مادية ، فترسخ التباين الاجتماعي والاقتصادي بينها وبين بقية العرب .
منذ البدايات الأولى نشأت تفسيرات مختلفة ، بل متناقضة للإسلام ، فمن الواضح أن الناس ينظرون إلى دينهم ويفسرونه من مواقعهم الخاصة في البنية الطبقية ومن منظور علاقتهم بالطبقة الحاكمة ، وبهذا المعنى يظهر صادق العظم أن مجموعة من المفكرين ورجال الدين الإسلامي " يجهدون أنفسهم في إضفاء الشرعية الإسلامية على النظام الذي يرتبطون به مهما كان نوعه ، إن كل نظام حكم عربي ، مهما كان لونه ، لا تنقصه المؤسسات الإسلامية المحترمة ، المستعدة للإفتاء بأن سياسته منسجمة انسجاما تاما مع الإسلام .
الدين في مرحلته التأسيسية الأولى كثيرا ما يمثل ثورة شعبية ضد النظام السائد والطبقات والعائلات الحاكمة ، ولكنه ما إن يترسخ حتى يتحول إلى مؤسسة وسلطة تلتزم بأولويات نفوذها واستمرارها ، لذلك توصل ماكس فيبر إلى إبداء ملاحظة ذكية هي أن أحدا من الأنبياء لم يأت من طبقة رجال الدين ، ومن هذا أن المنقذين في الهند ما كانوا قط من البراهمة ، والسبب في ذلك ، بكل بساطة ، هو أن رجال الدين هم مؤسسة تقليدية هرمية بحد ذاتها وجزء لا يتجزأ من هرمية المجتمع الطبقية ومنها يستمدون مكانتهم ونفوذهم ومداخيلهم المادية .
ثم إن الدين يخدم حاجة نفسية لدى الأغنياء المحظوظين ، فيقول فيبر ، إن المحظوظ نادرا ما يرضى بحقيقة كونه محظوظا ، بالإضافة إلى ذلك ، يحتاج أن يعرف أن لديه الحق بثروته الفائقة ، يريد أن يقتنع أنه يستحق ما يملك ، وقبل كل شيء بالمقارنة مع الآخرين ، يرغب أن يعتقد أن الأقل حظا ينالون ما يستحقون إن الثروة الطائلة تريد أن تكون ثروة شرعية ، وقد وجد روجيه غارودي تلازما بين هرمية الملائكة والكائنات المقدسة في لاهوتية المسيحية في العصور المتوسطة من ناحية ، وبنية المجتمع الإقطاعي من ناحية أخرى ، وهذا ما توصل إليه بحث مشابه حول الأصول الطبقية للقديسين في الكنيسة الكاثوليكية ، فقد تبين أن 77% كانوا ينتمون للطبقة العليا ، و17% فقط للطبقة الوسطى ، و5% فقط للطبقة الدنيا.
إن الطبقات الحاكمة لا تختلف عن طبقة التجار من هذه الناحية ، فتحرص هي أيضا على استعمال الدين في ترسيخ شرعيتها وتثبيت سمعتها في التقوى الاستقامة ، في هذا المجال ، نشير إلى قول الزعيم الهندي لال نهرو أن الاستعمار البريطاني كان يشجع المساجين السياسيين على قراءة الكتب الدينية اعتقادا منه أنها تشجع على التسليم بواقع الأمر وعملا بالقول الشعبي : الناس على دين ملوكها.
تسويغ الفقر :
مما ساعد على تسويغ الفقر أن التراث الديني دعا للزهد وقلل من أهمية هذا العالم فأسماه " الدنيا " و "ا لبسيطة " وردت في كتابه إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي المتوفي عام 505هـ / 1111م أحاديث عن " فضيلة الفقر على الغنى" رغم قول النبي " كاد الفقر أن يكون كفرا " والقول الشعبي " الجوع كافر " ومن هذه الأحاديث ما يلي : يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائها بخمسمائة عام ، إن لكل شيء مفتاحا ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء لصبرهم ، هم جلساء الله تعالى يوم القيام " ، " أحب العباد إلى الله تعالى الفقير القانع برزقه " " الجوع عند الله في خزانة ، لا يعطيه إلا لمن أحبه " " إذا رأيت الفقير مقبلا ، فقل مرحبا بشعار الصالحين" .
تسويغ الطبقية :
نشأت تيارات دينية محافظة تعتبر الفروق الطبقية " ناموسا إلهيا .. وسنة ثابتة من سنن الحياة " واستعنا بتفسير الشيخ فيصل المولوي حول معنى الآية 32 من سورة الزخرف ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) . فأجاب أن " الآية تشير إلى سنة ثابتة من سنن الله عز وجل وهي تفاوت الرزق بين الناس ، والتسخير ظاهرة بشرية اقتضتها حكمة الله عز وجل في تعمير الأرض عن طريق اختلاف المواهب والطاقات البشرية التي تؤدي إلى تفاوت الرزق ، وطبيعة هذه الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت في مواهب الأفراد".
ونتيجة لمثل هذه المحاولات لتسويغ الفقر والطبقية ، نشأت ثقافة تدعو ليس فقط للصبر ، بل أيضا للتسليم بواقع الحال ، فجرت تساؤلات عديدة حول قبول الفلاحين والعبيد أوضاعهم وعدم تمردهم ، ومما لاحظه بعض الباحثين قيام نزعة نفسية عند شرائح من هؤلاء للاعتقاد بأنهم خلقوا معدمين أو عبيدا " كما خلق الجمل لأن يكون جملا " ، وربما لهذه الثقافة التسويقية وما يتفرع عنها من اعتقادات دورها في استمرار العبودية حتى منتصف هذا القرن في عدد من البلدان العربية.
الاختلاف الطبقي في فهم الدين وممارسته :
تختلف الطبقات في فهمها للدين وتفسيرها له من مواقعها الخاصة وكيفية ممارسته في الحياة اليومية ، فنجد أن التعبد لدى الفلاحين وفقراء المدن يتركز على الأضرحة والأولياء وشخص الإنسان الصالح بدلا من المؤسسة الدينية ، هذا على عكس ما يميل إليه المثقفون ورجال الأعمال والحكام وشرائح الطبقة الوسطى الذين يميلون للدين الرسمي ، ثم إن للبدو ميولهم المتميزة من كل من الحضر وأهل الفلاحة وليس ماركس فحسب الذي يقول أن السلوك الديني يحمل طابع الطبقات التي ينشأ فيها ، فهذا ابن خلدون أيضا يقول بأن اختلاف الأجيال في أحوالهم هو باختلاف نحلتهم من المعاش ، لذلك تختلف جوانب التدين كافة من طبقة إلى طبقة أكان ذلك بالنسبة للمعتقدات والطقوس أم التعبير عن المشاعر الدينية ، إن هناك فروقا بين الطبقات الفقيرة والغنية والضعيفة والقوية في التعبير عن مشاعرها الدينية ، وكثيرا ما تسود بين الطبقات الفقيرة المحرومة مشاعر الحزن والغضب والتمرد والتعلق بشخصيات تاريخية تجسد أحلامها وأمانيها ، فيما تسود بين طبقة الأغنياء المرفهة مشاعر التمسك بالشرائع السائدة التي تمليها المؤسسة الدينية ، ويكون التفسير لبعض الآيات الدينية من موقع الفقراء مختلفا عن تفسيرها من موقع الأغنياء.
كذلك تختلف الطوائف من حيث أساليب حياتها ومدى قوتها ونفوذها وأعمالها وثرواتها ، من هذا أن الشيعة تنتشر في الريف وتعمل في الفلاحة في لبنان والعراق ، وكذلك الفرق المتفرعة عنها كالعلويين والدروز ، بينما تنتشر السنة في المدن وتميل للعمل في التجارة والإدارة ، لذلك يكون التفاوت في القوة والثروة ، ولم يكن من الغريب أن يتم تهميش الشيعة لزمن طويل وأن تكون غالبيتهم من الطبقات الفقيرة المحرومة ، وأن تتسع بينهم الفجوة بين الفقراء والأغنياء في نوع الاستقطاب الطبقي حتى تكاد الطبقة الوسطى تكون شبه معدومة ، في هذا الإطار نردد مقولتنا أنه بتثبيت سيطرة التجار والبدو على المؤسسة الإسلامية ، كان أن مال الفلاحون إلى الشيعة والأقليات الطائفية الأخرى ، وقد استمر الفلاحون في التمسك بالتقاليد الشيعية حتى بعد تحولهم إلى السنة كما يبدو من المعتقدات والممارسات الدينية في المجتمع المصري حتى داخل أحياء المدن ، وكان أن طبعت التجارة السنة بطابعها الخاص في كثير من المجالات الثقافية .
الدين والسياسة :
من منظور مثالي معياري إسلامي ، رأى عدد من المفكرين المسلمين القدامي كالماوردي ( توفي سنة 1508م) وابن حنبل وابن تيمية ( على خلاف ما رأى غيرهم لدى معالجة الشؤون السياسية) إن هدف خلق الإنسان عبادة الله ، وإن هذه العبادة تقتضي تنظيم المؤمنين في دولة خاصة بهم ، وأن هذا الأمر يحتاج إلى قيام حكومة دينية تتبع الشريعة وتلتزم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتحمي المسلمين ضد الخطر الخارجي وتحقق الروحان
الأحد سبتمبر 09, 2012 8:00 am من طرف iyad2008
» أدعية لرمضان ، شهر التوبة والمغفرة >>>>
الثلاثاء أغسطس 16, 2011 1:01 pm من طرف نور العيون
» رسام تركي يحير العلماء
الأحد أغسطس 14, 2011 10:37 pm من طرف * snow white *
» اندل 6 رجالة
الأحد أغسطس 14, 2011 10:30 pm من طرف * snow white *
» احلى الورود
الأحد أغسطس 14, 2011 10:20 pm من طرف * snow white *
» لوحة شرف المنتدى الإسلامي
الأحد أغسطس 14, 2011 9:35 pm من طرف * snow white *
» ْ~حملة هفهم قرآنى~
الأحد أغسطس 14, 2011 9:20 pm من طرف * snow white *
» أضخم أسد في العالم ...!
الأحد أغسطس 14, 2011 8:52 pm من طرف * snow white *
» صور بيت من الذهب !!!
الأحد أغسطس 14, 2011 8:44 pm من طرف * snow white *